بتول الشبيب

ثقافة 2022/05/23
...

يسرني اصطحاب من يودُّ مرافقتي للمرور بمشوار عمر فيه من المنعطفات ما يستحق التأمل.. هذه أنا بتول الشبيب ولدتُ في 1970/3/17 ولا أكتمكم سراً أنَّني لا أحبُ اسمي.. تمنيتُ لو كان اسمي بسمة أو أمنية أو هند.. ولكنّها بعض جناية أبي بحقي فأول شيءٍ امتلكه لم يمنحني فرحةَ انتشاء وأنا أردده. أنا البنتُ الأولى بعد أربعة أولاد المرحة المُفعمة بحب الحياة، ففي مرحلة دراستي الابتدائية والمتوسطة كنتُ لا أترك فعالية في المدرسة إلا وشاركتُ بقراءةِ قصيدةٍ..  بشغفٍ كنت أترقّب جريدة الراصد لأقرأها.. أما أول كتاب تمعنتُ فيه فهو (تاريخ الفلسفة اليونانية) وعَلقتْ في روحي منه عبارة لسقراط (اعرفْ نفسك) كذلك قرأتُ لغادة السمان وردّدتُ عباراتها حتى أن أخي كان يشاكسني بمناداته لي بتول السمّان.. بولعٍ كنتُ أعيشُ أحداث الروايات التي أقرأها وأعيشُ فرحةَ وحزنَ أبطالها وكأنّني جزءٌ منها.. تأسرُني عبارة فأخبر صديقاتي بمحاولة لإفشاء متعة الحرف، لكنْ من دون جدوى كنتُ في وادٍ وهُنّ في آخر، لم أكن مُغرمة بالكعب العالي مثل بقية الإناث ولا تستهويني الألوان الصاخبة أو مستحضرات التجميل.. فملامحي الطفوليَّة وروحي المُمتلئة باللطف والحنيّة كانتْ كفيلة بأن تبقيني على قيد الجمال الذي كنتُ ألمحُ اعترافاً به في عيون الآخرين لا في المرآة. 
جعلت من أسلوبي بعض أناقتي ومن نظرتي كلماتي.. ومن عنادي زينة لأحلامي.. من منعطفات حياتي الصعبة ظروف مريرة كادتْ تحرمنُي مشوار دراستي لكنّني تشبّثتُ فأكملت دراستي الجامعية في جامعة بغداد/ كلية التربية قسم اللغة العربية حبّاً بالأدب والشعر.. في عام 1993، فكانت أول فرحة في حياتي.. بعدها بدأ مشوار التدريس والحياة العملية.. لكنَّ الظروفَ عادتْ لتكشر عن أنيابها.. فكانت أقسى صدمة عندما فُقدَ زوجي في الطائفية المقيتة ليتركني ذات صباحٍ مهيضة الجناح بمعيتي ولدان وبنت.. فبدأتُ رحلةَ كفاحٍ عنيدة بأن أكون الوالدين.. وعاد معي حرفي يتنفّس.. كنتُ أكتب لأبقى على قيد الأمل.. بعد أعوامٍ كان أول شيء نُشِر لي (لقبٌ كاذب) في جريدة الزمان وصار حرفي بعض فرحتي الخجولة.. كتبتُ عن عظمةِ الحب عندما يأتي حقيقياً ليأخذ بأيدينا من بين رُكام الخيبات.. فيمحقها.. أو يسخرُ منها.
مرتْ الأعوام كبُر أولادي منحتُ الصبر استراحةً.. لم أتخيل أن القدرَ خبَّأ لي في جيوبه أقسى فقد أتجرعهُ في حياتي عندما فقدتُ ابني الأكبر اثر حادث مؤلم.. ولدي الذي انتظرته كتفا أميلُ عليه إن مال زماني.. انكسرتُ.. هُزمتُ.. بكيتُ.. عُدتُ لملاذي فألبستُ حزني ثياب الكلمات.. هرِمتْ أحلامي بتُ أخافُ الخذلانَ من أحبتي وصحتي.. بتُ أغضبُ من حماقة من يجهل ويتمادى على صبري وطيبتي أبغضُ وقاحةَ البعض فأحتمي بالله منهم، حينما أفكرُ بالجنة لا أحلمُ بأنهارِ عسلٍ ولبن وحدائق وأشجار أحلمُ بالجنة لشيءٍ ٍواحدٍ أن أتحدث مع الله عن حكمة عطائه وعن حكمة منعه.. سأسأله.. لماذا العراق؟ ربما هدأ قلقي وتلاشتْ علامات استفهامي التي تلفُني.. سأشكره على ثمرة حروفي التي احتوتها أول مجموعة وهي (حيرة المُنتصف) والثانية التي كانت (ديون أفراحي) سأحمده على الثالثة (بين أصابع الأرق) والرابعة والخامسة التي ما زالت على قيد الإنجاز.. سأخبره بأنّني دوما آمنتُ بالحب بأنه الخلاص فهو الفكرة التي تستحق منا أكبر التضحيات.. فالمحبون من يصنعون الحياة.. كان هذا مضمون آخر رواية قرأتها، وهي (من يرث الفردوس) للكاتبة لطفية الدليمي.. 
وأخيرا لي أحلامي ورؤاي بأن يتسلق حرفي سفحَ المعنى ليرسمَ صورا تليق بذائقةِ من يهتمون به ويترقبونه بحب.. ولي أمنيةٌ بأن أرسمَ البسمةَ على وجوهِ أحبتي الذين امتلأت قلوبهم حسرة جراء حزني ونبضتْ قلوبهم بالدعوات الصادقة يوم صار قلبي فارغا لفقد فلذة كبدي..