حيّان الغربيّ

ثقافة 2022/05/25
...

«لكل امرئٍ من اسمه نصيب» تعبير يتمّ تداوله على نحوٍ مبتذل ربما على مرّ السنين، لكني، أنا، حيّان الغربيّ، نصيبي من اسمي كبير فأنا ابن العائلة التي هاجر أسلافها من أقصى غرب الشرق إلى غرب الشرق تماماً فأورثوني هوية مضطربة عصيّة على الانتماء العصبويّ الصرف، وذهنيَّة تميل إلى النظرة الشموليَّة من دون أن تقع في فخ التعميم. 
في صيف العام 1978 ولدت على ضفاف نهر العاصي، حرفيّاً لا مجازيّاً، ولا شكّ لديَّ أنَّ اشتباكيّ الماديّ والمعنويّ مع هذا النهر، الذي ما فتئ يلسع مناماتي العارية بسياطه المجدولة من الصفصاف والمياه الباردة، هو ما منحني قدراً ما من الإباء والأنفة. 
أمضيت النصف الأول من عمري في حي باب توما الدمشقي، الذي جمع آنذاك بين عددٍ لا بأس به من الطوائف، بمن فيهم المسيحيون والمسلمون (سنةً وشيعةً) واليهود، الأمر الذي عزز من اضطراب الهوية لديَّ ودفعني إلى الابتعاد عن النظرة الجامدة للعالم ولعلّي اليوم مصابٌ بعمى الحدود إن جاز التعبير. تعلّمت في مدارس باب توما، المحبة الخاصة، والمنصور، والعناية (جميل صليبا)، وعلى الرغم من ميولي الفيزيائية والرياضية (المستمرة حتى اليوم) إلا أنني تركت دراسة الهندسة ودرست معهد المهن النفطية في حمص اختصاراً للزمن وهو يتطلب معدلاً قريباً من المعدل المطلوب للهندسة في الشهادة الثانوية، ومن ثم درست الترجمة وتخرّجت في كلية الآداب- قسم اللغة الإنكليزية في العام 2007 في المرتبة الأولى على دفعتي ربما، وأقول ربما لأن قسم الترجمة كان حديث العهد في الجامعة حينها فتم دمج دفعتين معاً في التصنيف وهكذا تراجعت إلى المرتبة الرابعة. 
تنطوي حكاية أول كتاب قرأته على شيء من الألم، ففي التاسعة من عمري تعرّضت إلى حادثٍ كسرت ساقي على إثره، فخشي جدّي عليَّ من الملل، ونظراً لأن والده كان من القلائل ممن التحقوا بالمدرسة المصرية التي أسسها إبراهيم باشا في مدينتهم، ورث عنه جدي الشغف بالمطالعة، وهكذا أهداني مجموعة من الروايات، بما فيها رواية البؤساء لفيكتور هوغو. 
أحببت هوغو كثيراً منذ تلك اللحظة وربما أغرمت به إلى أن صدمت بقراءة نقد موجز له من قبل ماركس وأنجلز، وقد نعتاه بالبرجوازي الصغير على ما أذكر. لم أتقبل هذا النقد بدايةً، ولكني سرعان ما أدركت صوابيته فالرجل يروّج في أعماله لإمكانية الخلاص الفردي للإنسان، الأمر الذي أعلم اليوم أنه مجرد كذبة صنعتها الرأسمالية بغية وأد أي جهد جماعي ضدها في مهده. حين كسرت ساقي وعادت بي سيارة الإسعاف من المستشفى، حملني إلى سريري ابن عمي، وقد كان شاباً عزّ نظيره بكل المعايير. حين مات، بقطع النظر عن الأسباب، لم أتألم لفقده وحسب، وإنما شعرت بأنني فقدت جزءاً كبيراً من أناي، بيد أنني اليوم ما زلت أحمله في أناي هذا، كما حملني مصاباً وكما يحملني اليوم كلما تعثرت أو هويت، فلعلي لم أفقده بشكلٍ كاملٍ في نهاية المطاف. 
نشرت أول كتبي «الإسلام في عيون الغرب» لإدوارد سعيد في العام 2005، أي قبل تخرجي بعامين، وقد أكسبني إدوارد سعيد، بعد كارل ماركس، بصورة خاصة مقدرة نقدية لا بأس بها فلم أعد بعد قراءتي للكثير من أعمالهما متلقياً سلبياً كما كنت بل أصحبت متفاعلاً إيجابياً ينظر إلى العالم بعينٍ ناقدةٍ، وأنا لا أرى الحبّ قابلاً للخضوع للأعداد التراتبية، وإنما هو حالةٌ مستمرّةٌ تبقى متقدةً ما بقي المحبّ. وأما الفكرة فهي شبيهةٌ بالحب فمن يسعى إلى تملّكها قد تقتله من دون أن تنتظر منه الاستعداد للتضحية في سبيلها. لذلك، أنا لا أنشد الفكرة لأملكها بل لأكونها، وهكذا بدل أن تقتلني قد استمرّ من خلالها بعدما
أموت