أوس حسن

ثقافة 2022/05/27
...

أنا أوس حسن شاعر وكاتب.. مواليد 1984 في مدينة دمشق من أب فلسطيني وأم عراقية، وجدي لأمي هو الشاعر والمناضل اليساري الراحل كاظم السماوي، الذي كان مديراً للإذاعة والتلفزيون في عهد عبد الكريم قاسم. أصولي وانتماءاتي هي عبارة عن هويات مركبة وجزئية أعطتني هوية خاصة بعيدة عن العقيدة والتعصب العاطفي.
لقد سحرتني الفلسفة وعوالمها منذ مدة طويلة وبدأ شغفها يكبر معي كلما ازدادت صعوبة الحياة وتقلباتها، كما أنني بين فترة وأخرى أعود للعلم الذي يحررنا كثيراً من تبعية الخرافة والأوهام، مثلما تعمل الفلسفة تماماً على معالجة أنماط التفكير عند الإنسان وتجعله أكثر تناغماً مع عالمه المتناقض والمخيف.
أذكر قراءتي الأولى في عمر عشر أعوام، وهو كتاب صغير أخذته من مكتبة جدي الراحل يحكي سيرة أبي ذر الغفاري، ثم بعدها بسنوات قرأت رواية البؤساء لفيكتور هوغو. 
رغم طفولتي وعدم فهمي لتلك العوالم الكبيرة ولهذا الوعي المخيف؛ إلا أنني اكتسبت متعة القراءة واللياقة الفكرية، لكن بعدها بدأت بمطالعة الكتب التي فيها مسائل واحجيات رياضية، 
وعشقت مادة الرياضيات جداً وبدأت أتخيل الأشخاص عبارة عن أرقام ورموز، وفي المدرسة كنت دائماً أحصل على العلامة الكاملة في الرياضيات، ومن المفارقات الطريفة أيضا كانت كلما واجهتني مسألة معقدة يصعب حلها أصاب بالاكتئاب ليوم كامل، لكن أغلب الحلول كنت أجدها ليلاً بين النوم واليقظة، ولذلك أنا ما زلت من عشاق السهر والليل، فأغلب كتاباتي وأعمالي تجد ضالتها ليلاً حيث السكون التام، والابتعاد عن صخب العالم وضجيجه.
لقد عرفت الشعر الحقيقي في سن متأخرة، وربما لم أتعرف عليه حتى هذه اللحظة، لكنني جئته هارباً من منطقة الفكر والمنطق بعدما تأزمت حالتي النفسية وازدادت حساسيتي المفرطة تجاه الأشياء، كانت المخيلة تكبر في داخلي مع كل رغبة يتم كبتها ومع كل إحباط وكل فشل، لكن لم أعرف أن هذا الكبت يستقر في الأعماق على هيئة رموز ثم يحولها على هيئة كائن لغوي كالشعر، الذي يعيد بناء العالم على أنقاض عالمنا المتهاوي والبائس.
أذكر أني نشرت أول نص في صحيفة القدس العربي والتي كان يرأس قسمها الثقافي آنذاك الشاعر الأردني الراحل أمجد ناصر عام 2012، كان أكثر شيء يخيفني هو الفقد المفاجئ لأكثر الناس التصاقا ً بنا وبكينونتنا كالأم والحبيبة.. لم أعرف الحب كما يعرفه باقي الناس، لكنني عرفت الكائن الذي أنشد اكتماله معي، ذلك الذي أتوحد معه لدرجة الفناء حيث تتساوى الرغبة في العدم مع الرغبة في الخلق والوجود.
أكثر شيء أحبه لا يمت لرغباتي الشخصية بصلة، أحب البسطاء جداً أولئك الذين أوتوا القوة على تحمل الصبر والقناعة بدون أي تذمر ولا أي احتجاج ضد هذا العالم، أولئك الذين لم يتلوثوا بالنزق الطفولي المولد للشر وللتدمير.
أكثر الأشياء التي أكرهها هي أسئلة الناس الشخصية الممزوجة بالسخرية والاستهزاء، فضلاً عن الأحكام العقلية الخاطئة التي يطلقها الأشخاص على الأحداث والأشياء من حولنا، دون معرفتهم بعمق الشيء وجوهره. 
بالنسبة للشعر فقد أصدرت مجموعتين شعريتين، لكنني غير راض على ثلاثة أرباع شعري، بعد قضاء فترة في الدراسة والبحث الفلسفي والعلمي، خطرت في بالي فكرة أن أضع الشعر بمنزلة الفلسفة والعلم والتفوق عليهما، أن أستدعي الشعر، ليفكر وأن ينزع عنه طابع الدين والسحر، هناك شعر سيكتب للمستقبل لأجيال بعيدة قادمة، لسلالة جديدة من البشر. 
هذا ما أفكر به الآن.
لا يحيا الإنسان ولا يموت من أجل فكرة، الحياة برمتها فكرة متناسلة لأفكار عديدة، هناك تعدد واختلاف.. نقائض وصيرورة.. الماضي والمستقبل ليسا ملكاً للإنسان، بل يملكه هو تلك اللحظة الحاضرة، تلك الأبدية التي تشبه شعاعا خاطفاً يخترق الماضي والمستقبل ذهاباً وإياباً ويبقى يخترق الأزمنة إلى مالا نهاية.. الجنة ليست كما تصورها الأديان ربما قد لا تخلو الجنة من دموع الملائكة وحزن الإله، وقد لا تكون عالية ومفارقة.