سايمون أرميتاج: السباحة عبر الأحجار

ثقافة 2022/05/27
...

 ترجمة: محمد تركي النصار
ولد سايمون أرميتاج عام 1963 في مارسدون في المملكة المتحدة، وهو أيضا روائي، وكاتب مسرحي، ومؤلف أغانٍ ومترجم أيضا. في هذه المقابلة التي أجريت في جامعة مدينة اوكلاهوما، يركز أرميتاج على الشعر بوصفه ملهمه الأول واهتمامه الأساس. 
 
* روب رونش: أنت تعمل في مجالات متعددة وتمارس كتابة أجناس أدبية مختلفة، لكن وبحسب ما تقول فإن كتابة القصائد هي المفضلة لديك، فلماذا وما الذي يجعلها المفضلة لديك؟
- سايمون أرميتاج: الشعر هو ما يجعلني التقط القلم لأكتب، الشعر هو الذي يظهر قوة تجربتي في الكتابة.
لا يمكنني مقاومة تلك المناطق الكثيفة من اللغة، لقد عرفت منذ البداية بأن ثمة ما يشدني للشعر، كنت أعشق قراءته رغم أنني لم أعرف حينها بأنني أريد أن أكتبه، إنه العشق الأول الذي ظهرت أعراضه مبكراً.. كل ماعدا ذلك مما أكتبه أو أمارسه هو نزهة قصيرة وابتعاد مؤقت عن الشعر 
 المفضل عندي ربما لأنني أعتقد أنه الشكل الأكثر إخلاصا للغة.. إنه اللغة في أعلى درجات براعتها ومرونتها، ودقتها أيضاً.
إننا نعيش في عالم يتزايد فيه يومياً وبشكل كبير حجم الضجيج وركام المعلومات على مدار ساعات اليوم وأيام السنة، مما يجعل الإصغاء لنفسك صعباً جداً، في هذا العالم، فإذا كان الشعر هو صوت واحد يقول شيئاً ذا معنى محاطاً بفضاء السماوات الأبيض، فإن هذا يجعله شيئاً مهماً جداً في العصر الحديث أكثر من أي وقت مضى.
 
* روب رونش: هل تتذكر المقاطع الأولى التي صادفتك عندما كنت طفلاً؟
- سايمون أرميتاج: عندما كان عمري أربعة عشر عاماً كنا نقرأ تيد هيوز في المدرسة، كنا نقرأ قصائده عن الحيوانات: مشهد خنزير، سمك الكراكي، نظرة ثانية على نمر مرقط، كذلك كانت هناك قصيدته عن الحرب العالمية الأولى (حربة المسؤول)، وأتذكر جيداً كيف هزتني هذه القصيدة وشدت انتباهي بالرغم من إنني كنت تلميذاً ضجراً.
 
* روب رونش: كيف أثر تفكيرك بالشعر في طريقتك في التدريس؟
- سايمون أرميتاج: يحمل طلبتي جميع أنواع الأيديولوجيات ووجهات النظر بشأن اللغة وجميع الأشكال والرؤى الشعرية، وأنا أحاول باستمرار أن استحث حماستهم، ونقطة البدء تقريباً هي ذاتها باستمرار، وهي الإشارة لهم بأن احتمالية أن يكونوا قادرين على الكتابة ستضعف دائما عندما يتوقفون عن القراءة وعليك أن تكرر هذا باستمرار، وكذلك تشجيعهم على إيجاد وسائل مختلفة للإلهام، أنا شاعر وفق التصور المتداول، وأنا أشجع على الحوار، وأقول وأكرر باستمرار بأنك إذا لم تمتلك قراء فلن تكون هناك قصيدة. 
 
* روب رونش: اشارتك إلى مسألة التواصل تحيلني إلى ديوانك (صرخة)، إلى أي حدٍ ترى بأنك تكتب إلى جمهور محلي، وإلى أي مدى ترى بأنك تكتب لكل من يقرؤون باللغة الانكليزية أو إلى اللغة ذاتها؟ 
- سايمون أرميتاج: عندما أجلس لأكتب فإن قرائي المتخيلين على الأغلب يكونون بريطانيين، فالإيماءات والاشارات المحلية في القصائد والشفرات والنظم التي تعمل في النصوص هي بشكل أساس تتصل بطريقة عمل اللغة الانكليزية البريطانية، ولكن لا يحتاج الأمر إلى عبقرية لكي تلتقط تلك الايماءات المبثوثة في القصائد حتى لو لم تكن مواطناً محلياً، إنه شيء لافت أن تجد نفسك مقروءا من قرّاء تبعدك عنهم آلاف الأميال، بينما كتبت تلك القصائد وأنت تحدق من خلال نافذة في يوركشاير باحثاً عما يمكن أن يوحي اليك من خلال تلك النافذة، أنني أشعر بأنك تحتاج فقط أن تكون حقيقياً ومخلصاً لجذورك وحدوسك أولاً، وإذا حصل أن وصلت قصيدتك أبعد متجاوزة الحدود فإن هذا يضفي عليها قيمة مضافة.. إنني أؤمن بالكتابة إلى (الهنا والآن).. وأكتب لهذه اللحظة.
 
* روب رونش: هل بالإمكان أن تحدثنا عن حادثة معينة واجهت فيها شيئا أثناء الكتابة فاجأك بطريقة غير متوقعة؟
- سايمون أرميتاج: لدي قصيدة عنوانها (الصرخة) كتبتها عن مرحلة كنت فيها طالبا في المدرسة أثناء مرحلة المراهقة.. أتذكر أنني ذهبت إلى باحة المدرسة مع صبي آخر، بدأ يصرخ وهو يمشي مبتعداً عبر القرية حتى وصل إلى نقطة لم أعد معها قادراً على أن أسمعه وهو يصرخ، وتلك هي حدود الصوت البشري، لقد عرفت منذ وقت طويل بأنني أريد أن أكتب عن ذلك، وعرفت لاحقا بأن الصبي قد انتحر في استراليا، وأردت بطريقة معينة أن أربط بين الحادثتين، وبدت لي فكرة شعرية، الصبي كان يبتعد وأنا اصغي إليه كل الوقت وقد واجهت صعوبة في كيفية كتابة القصيدة، وبالرغم من إلمامي بالمادة الشعرية لكنني لم أدرك المغزى، الذي تهدف إليه وبعد المحاولة والفشل بربط الكلمات بطريقة مختلفة وتغيير المقاطع في القصيدة أنهيت القصيدة هكذا: (بإمكانك التوقف عن الصراخ الآن لكنني برغم ذلك سأظل أسمعك)، وقد كان هذا البيت أصلاً في وسط القصيدة مرتبطا بالحادثة الحقيقية فساعدني بتقديم خلاصة وخاتمة كلية للقصيدة، الكتابة الشعرية بخصوصيتها الفريدة هي وحدها القادرة على تحقيق هذه النتيجة.
 
* روب رونش: من الواضح أن الطفولة هي موضوع مهم بالنسبة لك، هل يمكن أن تحدثنا عن ذلك؟ ولماذا تكون الطفولة حاضرة ومحفزة على كتابة الشعر بشكل عام؟
- أرميتاج: الطفولة هي مكان يمكن أن يحدث فيه أي شيء، إنها عاصمة شاسعة موجودة دائما هناك، وهي في كثير من الأحيان تبدو مادة جيدة لحكايات وقصص رمزية معاصرة، والكثير من قصائدي تستفيد من خصوصية هذه القصص والحكايات التي تنطوي على أكثر من مغزى.
    
* كوين كاربنتر ويدون: كنت ضابط مراقبة السجناء لبعض الوقت، وأعتقد أنك كتبت قصائد مميزة أثناء تلك الفترة، أليس كذلك؟
- أرميتاج: كتابي الأول مليءٌ بالقصائد المكتوبة عن تلك الفترة وفي ذلك المناخ وتتميز بقاموس مختلف، فقد عملت مع موظفي الدوائر القضائية والمحامين والباحثين الاجتماعيين وموظفي الدوائر الصحية، وهنا لدينا قاموس كبير ونظم متشابكة ومشاهد وشخصيات متنوعة، لقد كان عملاً شاقاً وأغلبه متعلقٌ بإدمان المخدرات، وكنت حينها أعمل على كتابة قصائد بثيمات معبر عنها بمصطلحات مختلفة، كنت أكتب الشعر حينها لأريح أعصابي من عبء ذلك العمل المجهد، وواحدة من المشكلات في هذا العمل إنه بلا إنتاج، فقد تبذل جهوداً كبيرة على الشخص الذي تعمل معه، وبعد خمس أو ست سنوات تذهب كل جهودك سدى.. إنك هنا فاقد للقدرة على التحكم والسيطرة بينما بإمكانك أن تتحكم بالقصيدة، وبتغيير العبارات وإعادة تشكيلها وتحدث نتيجة ويكون لديك شيء مكتمل، شيء تريه للآخرين.. لقد كنت دائما أريد أن أكون صانعا، أن أصنع شيئاً داخل اللغة وهذا هو جذر كلمة الشعر على كل حال.. تجربتي مع المهمشين في السجون ساعدتني أن أصنع أفلاماً عن عوالمهم وأكون صوتا للتعبير عن معاناتهم.
 
* روب رونش: لقد أعجبني قولك بأن بعض الكتاب يعيشون النشوة مع اللغة قائلين إنها ملهمتي، معشوقتي وغيرهما من الكلمات، ولكنك تقول بأنها عدوتك التي تنفق جل حياتك وأنت تصارعها.. هل لك أن تحدثنا عن فكرة الصراع والجدل مع اللغة.. كيف تنبثق القصائد من هذا الجدل والصراع والصناعة بمقابل مجرد الإلهام الذي يأتي من الأعالي؟
- أرميتاج: في الحقيقة كانت تلك المقالة مكتوبة عن نقطة محددة واستذكارها معي الآن ينطوي على التفاتة ذكية.. إنني رجل أفكار، وتراودني كل يوم عشرات الأفكار التي تصلح لأن تتحول إلى قصائد، لكن الافكار ليست هي القصائد، أعرف العديد من الشعراء الذين هم كتاب ينتجون قصائدهم منذ النسخة الاولى، لكنني أختلف عنهم لأنني أعيش صراعاً صعباً مع مسوداتي، وقلما اطمئن للنسخة الأولى، فإذا كانت القصيدة عن طيارة ورقية ثمة من يقول كل ما تحتاج له هو الطيارة، والخيط والسماء.. لكن بالنسبة لي الأمر في غاية الصعوبة، إنه يشبه السباحة عبر الأحجار.
 
أجرى الحوار: روب رونش وكوين كاربنتر ويدون 
* عن موقع الأدب العالمي اليوم