كيسنجر وأسرار الحرب

قضايا عربية ودولية 2022/05/28
...

علي حسن الفواز
ما قاله هنري كيسنجر في منتدى دافوس الاقتصادي يضع الجميع أمام احتمالات مفتوحة، فالرجل يملك خبرة الحروب القديمة، والمؤامرات القديمة، ويملك حساسية فرز الأصدقاء عن الأعداء، ويدرك أسرار الطبخات التي جعلت من "النيكسنجرية" في السبعينات من القرن الماضي مجالاً لترهين الحرب الباردة، ووضعها في سياق البحث عن الهيمنة، وعن الإشباعات السياسية الإيديولوجية والمخابراتية..
قال كيسنجر: إنَّ "إذلال الرئيس الروسي بوتين ستكون له عواقب على أمن أوروبا" وكأنه بهذا الوصف يضع الحرب الأوكرانية الروسية في سياق اللعبة المفتوحة على حروب لا تتحمّل أن تكون ناعمة، لأنَّ بوتين لم يأت من الإيديولوجيا، بل جاء من أقبية المخابرات، وهو ما يضع فكرة الحرب القادمة في إطار قد لا يتحمل تداعياتها الغرب، ولا أميركا، على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو حتى على المستوى السياسي، فالعالم الديمقراطي في أوروبا، والعالم الجائع في أفريقيا وآسيا، لن يبحثوا عن نتائج الحرب، ولا عن توصيفها الحقوقي، بل سيبحثون عن غلتهم الغذائية، وعن الطاقة التي تجعلهم كائنات شبعانة وديمقراطية وحداثية وإنسانية.
وحتى دعوته إلى حلول سياسية بين روسيا وأوكرانيا تضع في سياقها لاعتراف بأنّ روسيا دولة كبرى، ويجب مراعاة مصالحها الأمنية والجيوسياسية، وهو ما دعا الرئيس الأوكراني زيلينكسي إلى مهاجمته، ومشككاً بذاكرته العتيقة التي تعود إلى أيام الحرب النازية في ألمانيا، ومصرّاً على توصيف الحرب مع روسيا بأنها عملية غزو، وأنه سيظل صامداً، ورافضاً فكرة التنازل عن أي أرض من أوكرانيا..
قراءات كيسنجر للواقع، وهو الصانع الأبرز في تاريخ السياسات الأميركية، تنطلق من حسابات عدم التفريط الساذج بالقوة، إذ لا يمكن للحرب العسكرية أن تحقق انتصاراً كاملاً، وأن السلم والمفاوضات هما الطريق الأسلم، والأسهل لأنسنة فكرة الانتصار، وللاحتفاظ بالقوة لمواجهة تحديات أكثر رعباً وغموضاً، كما حدث مع كورونا، ومع العنف الاجتماعي الذي بدأ "يغزو" الأرض الأميركية، وربما سيغزو أوروبا مع صعود حركات التطرف وجماعات اليمين السياسي..