هل أفلحت تركيا في منع توسع الناتو باتجاه إسكندنافيا؟
قضايا عربية ودولية
2022/05/29
+A
-A
مارك إبسكوبوس *
ترجمة: الصباح
في وقت سابق من الأسبوع الماضي جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معارضته طلب السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف الناتو، الأمر الذي ألقى بظلال من الشك على إمكانية توسع هذا الحلف باتجاه دول شمال أوروبا.
قال أردوغان في مؤتمر صحفي: "لن نقول نعم لانضمام تلك الدول التي تفرض عقوبات على تركيا إلى منظمة الناتو الأمنية." وتلك إشارة كما يبدو إلى دعم السويد للقيود المفروضة على مبيعات السلاح إلى تركيا بسبب تدخل أنقرة عسكرياً في الحرب الأهلية السورية.
سبق لتركيا أن وجهت انتقادات إلى ستوكهولم وهلسنكي بسبب ايوائهما ودعمهما عناصر من حزب العمال الكردستاني، المعروف اختصاراً باسم "بي كي كي"، وهؤلاء في نظرها إرهابيون ومجرمون، والحزب المذكور هو حركة عرقية قومية ماركسية انفصالية تسعى لإقامة دولة مستقلة داخل تركيا. كذلك تتهم أنقرة، التي تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وتنضم إليها في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الدولتين الاسكندنافيتين بالتصامم عن مطالباتها بتسليم شخصيات تنتمي الى حزب العمال. بل أن وسائل الإعلام التركية ذهبت حد الادعاء بأن السويد تقدّم السلاح إلى جماعة إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني مسؤولة عن شن هجمات على الجيش التركي في سوريا ما بين عامي 2017 و2021، كما أن النشاطات غير الشرعية التي تمارسها في السويد تشكل قسطاً كبيراً من العائدات المالية التي تتدفق على حزب "بي كي كي". تنحي أنقرة باللوم على فنلندا أيضاً لإيوائها شخصيات ذات ارتباط بمنظمات إرهابية.صرح أردوغان، ملمحاً إلى خطط المسؤولين الفنلنديين والسويديين المعلنة للسفر إلى أنقرة في محاولة لثنيه عن معارضة دخولهما إلى حلف الناتو، فقال: "هل هم آتون لإقناعنا؟ عذراً .. عليهم ألا يتعبوا أنفسهم." في يوم السبت الماضي قالت وزيرة الخارجية السويدية "آن لندي": إن بلدها يعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، كما أكدت استعداد ستوكهولم للدخول في محادثات موضوعية جادة مع تركيا، ولو أنها لم تلزم نفسها بمناقشة أي من شكاوى أنقرة بالتحديد.
في الأسبوع الماضي التقى وزير الخارجية الأميركي "أنتوني بلنكن" وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لاستجلاء الموقف التركي. قبل ذلك اللقاء في نيويورك قال أوغلو: "أجل .. نحن نرى التهديد في منطقتنا، لذا يمكننا تفهم رغبة فنلندا والسويد في الانضمام إلى الناتو كأعضاء جدد. لقد كانت تركيا مؤيدة لسياسة الباب المفتوح التي يتبعها حلف الناتو حتى من قبل اندلاع هذه الحرب، لكن بخصوص هذين المرشحين المحتملين لدينا نحن أيضاً مخاوف أمنية مشروعة تتعلق بدعمهما لمنظمات إرهابية. كذلك هناك قيود تصدير مفروضة على المنتجات الدفاعية."
أشار أمين عام حلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرغ"، الذي سبق له التصريح بأن فنلندا والسويد سوف تلقيان ترحيباً حاراً إذا ما قررتا التقدم بالطلب، إلى أن الاعتراضات التركية سوف تخرج خطة التحالف الطموحة عن مسار استكمال إجراءات طلب الدولتين الاسكندنافيتين في ظرف أسابيع. قال ستولتنبرغ :"نحن مهتمون بمعالجة المخاوف التي عبرت عنها تركيا. فحين يثير حليف مهم مثل تركيا مخاوف أمنية يكون السبيل الوحيد للتعامل مع ذلك طبعاً هو الجلوس معه والتباحث لإيجاد أرض مشتركة."
يبقى من غير الواضح إن كانت تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو والتي جعلت من نفسها وسيطاً أساسياً في محادثات السلام المتعثرة بين روسيا وأوكرانيا، معارضة لانضمام فنلندا والسويد بصورة قطعية، حيث تنسب التقارير إلى مسؤولين أتراك قولهم: إن أنقرة لا تزال منفتحة على حلول وسط بانتظار تنازلات غربية حقيقية. تنسب صحيفة فايننشيال تايمز إلى أحد هؤلاء المسؤولين قوله: "نحن راغبون في التوصل إلى اتفاق .. فكلما تحقق الاتفاق أسرع أمكننا البدء بمناقشة العضوية في وقت أقرب". لكن الخبراء يشيرون إلى احتمال وجود ضعف في التناغم بين رسائل الدبلوماسيين الأتراك وموقف أردوغان النهائي ويقولون إن هذا قد حدث في الماضي. ليس من الواضح أيضاً إن كانت فنلندا والسويد على استعداد لتقديم تلك التنازلات التي تكفي لاسترضاء أنقرة. أشارت صحيفة "واشنطن بوست" في مقالة لها أن أي تحرك قابل للتفسير بأنه تزلف لأردوغان لن يحظى بالشعبية لدى المصوتين السويديين." فنقض ستوكهولم قيودها على صادرات السلاح، أو إذعانها لمطالب أردوغان بتسليم المطلوبين، سيكونان بمثابة إقرار معلن بأن ذراعها قد لويت أمام دولة كثيراً ما وصفها المراقبون الغربيون بالأوتوقراطية والاستبداد.
من المستبعد أن يمضي هذا النوع من الاسترضاء بسلاسة ويسر في وقت يتعرض فيه حلف الناتو إلى ما اعتاد السياسيون الغربيون أن يصمونه دائماً بأنه "مجابهة عالمية بين الديمقراطية والاستبداد أطلق زنادها الغزو الروسي لأوكرانيا". قال العضو السابق في الكونغرس "ويل هارد" في تغريدة له: "إذا كان باستطاعة دولة استبدادية مثل تركيا أن تمنع أنظمة ديمقراطية مثل السويد وفنلندا من الانضمام إلى الناتو فربما يكون الوقت قد حان إذن لإعادة التفكير في شروط العضوية التي وضعناها." في حين يشير آخرون إلى الإشكال الأخلاقي الذي يواجهه التحالف بالقول: النزول عند توعدات أردوغان للسويد وفنلندا قد يفتح شهيته صوب مطالب أوسع مدى مثل إلغاء قيود تصدير السلاح التي يفرضها أعضاء آخرون في الناتو.
ماذا يمكن أن يحدث بعد هذا؟ قد تحاول قيادة الناتو والحكومات الغربية ممارسة ضغوط على أنقرة لجعلها تلين وتتراجع. فبايدن قادر على إيقاف صفقة تصدير طائرات "أف - 16" مع تركيا التي سبق أن طلب موافقة الكونغرس عليها، لكن الإجراء العقابي الأشد خطورة قد يتمثل في تحديد مشاركة تركيا في توافقية التخطيط البيني للناتو والمشاركة في التمارين العسكرية. إلا أن هذه الخطوات يمكن أن ترتد بنتائج عكسية لأن أردوغان قد يعمد إلى التصعيد بدلاً من التراجع، مثلما كانت رد فعله على العقوبات الغربية عقب قراره في 2017 باستيراد منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "أس -400". التبعات التي ستعقب ذلك قد لا تسفر فقط عن نسف مساعي فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو بل ستنطوي على مخاطرة دق إسفين دائم يشق وحدة الناتو، إذ لا توجد آلية ثابتة لطرد عضو من أعضاء الناتو، كما أن من المستبعد أن يختار أردوغان الخروج من تلقاء نفسه، لكن تركيا المكلومة سوف تبقى تضعف التحالف من داخله لعقود مقبلة.
لقد طرح كبار المسؤولين مسألة توسيع حلف الناتو بضم فنلندا والسويد إليه على أساس أنها ستعود بحصيلة سريعة مؤكدة تعزز قوة التحالف بما لا يقبل الشك في وقت تستمر فيه التوترات بالتأجج في أوروبا. لكن الذي خرجنا به بدلاً من ذلك هو عملية مطولة محفوفة بالمجازفة تنطوي على عواقب وخيمة محتملة تهدد تماسك الناتو على المدى البعيد.
* عن مجلة "ذي ناشنال إنتريست"