علي حسن الفواز
كلما اتسعت الحروب والمجاعات ازدادت أعداد اللاجئين، وبات البحث عن ملاذات آمنة خيارا يتجاوز التأطير الحقوقي والإنساني، إلى ما يفضح السياسات والإجراءات المتعسفة التي يتم اتخاذها، وبنوعٍ من العنصرية إزاء جماعات معينة، على خلاف التعاطي مع جماعات أخرى.
الأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين فيها لا يملكان سوى وضع التقديرات الإحصائية عن أعداد الهاربين من بلدانهم، ومن جبهات الحروب والمجاعات، وأحسب أنّ رقما يُقدّر بأكثر من 100 مليون لاجئ كما تقول تلك الإحصائيات ليس رقما سهلا، ولا عابرا، فالأغلب منهم هاربون من دول تعيش مظاهر الفقر السياسي قبل الفقر الاقتصادي، فضلا عن معاناتهم من سوء المعاملة، ومن أخطار الهجرة غير الشرعية.
لكن ما حدث في الحرب الأوكرانية هو ما جعل موضوع اللاجئين يدخل في الحسابات السياسية للدول الكبرى، وفي توصيفها كإجراء حقوقي له خصوصيته في سياق تدويل العقوبات على روسيا، برغم أنّ تداعيات هذا الإجراء قد تُهدد بتغيّرات ديموغرافية وثقافية، ناهيك عن تأثيرها في البنى الاقتصادية وفي ارتفاع مظاهر التضخم، بما يجعل الحديث عن "الجنة الرأسمالية" ورفاهيتها مشكوكا به، لأنه سيؤدي حتما إلى تحويل تلك "الجنة" إلى جحيم يدفع بالجميع إلى مستقبل غائم ومجهول.
دخول الملايين من لاجئي أوكرانيا تحوّل إلى دعاية سياسية، وإلى موقف صاخب للتعبير عن اهتمام الغرب بالحرب الأوكرانية الروسية، مقابل السكوت عما يجري في " عمليات اللجوء الأخرى" وإخضاعها إلى مقاربات تتجاوز التوصيف الحقوقي، إلى التأطير السياسي، وإلى وضع العالم أمام إشكاليات فارقة، قد يكون لها تداعياتها الأخلاقية والثقافية على مستوى شيوع مظاهر الكراهية والعنف، أو على مستوى الانخراط في سياسات ضدية، تواجه الغلظة الرأسمالية بخيارات صعبة، حتى لو كانت حالمة، فمقابل صعود جماعات التطرف واليمين القومي في أوربا، والبروز الفاضح للعنصرية، بدأت تتسع ظاهرة رفض الهيمنات الغربية في أفريقيا وأميركا اللاتينية، بدءا مما حدث في انقلاب بوركينا فاسو، وليس انتهاء بفوز مرشح اليسار في الانتخابات الكولومبية، إذ تؤشر هذه الأحداث متغيرات مهمة في الخارطة السياسية، باتجاه تغيير سماتها، والدفع باتجاه تقويض المركزيات الكبرى، والدخول إلى عصر ما بعد الأمركة والغربنة، بكل ما ينطوي عليه من تداعيات تخصّ تنامي أدلجة اليسار، ومحو ذاكرة الرأسمالي القديم الباحث عن المناطق الرخوة والمياه الدافئة.