الهويَّات المتشظّية

ثقافة 2022/06/03
...

د. عبد الستار جبر
 
في المجتمعات المتمزقة الهويات، إثنياً ودينياً وطائفياً وقومياً، يصبح السؤال عن الأمن الثقافي معبّراً عن أزمة كبرى، فالبحث عن الأمن الثقافي في إطار هذه الهويات المتشظية يقود إلى الانغلاق والصراع، انغلاق الأفراد والجماعة في هويتهم الخاصة، وصراعهم مع الهويات الأخرى، وهو خلاف ونقيض ما ينبغي أن يوفره الأمن الثقافي من انفتاح واستقرار، فكلّما حظي الأفراد والجماعات بأمن ثقافي كلّما كانوا أكثر ثقة بإمكانياتهم ورؤاهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وهو ما توفره الهويات الوطنية الموحدة، فهي منبع الاستقرار والانفتاح، والاكثر إقصاءً للصراع الذي تتخذه الهويات المتشظية وسيلة لاستقطاب أفرادها وتعبئتهم للدفاع عن وجودها المغلق والمتصارع على الدوام مع 
غيرها.
وبذلك فالسؤال عن الأمن الثقافي هو سؤال الدولة، وليس سؤال الجماعات المتشظية. إنه الهدف الستراتيجي الذي يجب أن تضعه في تخطيطها المؤسساتي المبرمج لتمكين الهوية الوطنية من استعادة قدرتها على الاستقطاب وتوفير عوامل الأمن الثقافي الذي يراهن على قدرة الدولة في حفظ حقوق الأفراد والجماعات ومنحها حرياتها في إطار القانون والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وهي وحدها الكفيلة بالقيام بهذه المهمة السياسية الحاسمة والضرورية.
لكن السؤال المرحلي الذي يبرز نفسه هنا: أين هي الدولة العراقية الآن التي يمكن أن تضع رهان الأمن الثقافي كغاية ستراتيجية لتوحيد جسد المجتمع وإنهاء مرحلة التشظي الهوياتي التي يعيشها؟!
يبدو مؤشّر التشاؤم عالياً بمجرّد الاطلاع على الواقع السياسي المحتدم بالصراعات التميزيقية لجسد الدولة والمنعكسة على جسد المجتمع، والمرسّخة لبقاء التشظي الهوياتي قائماً، بفعل تغلغل الفساد السياسي والاقتصادي وبما كونه من أذرع مسلّحة لحماية مصالحه، وهو ما ينفي ويطرد تماماً أيّة فرصة للأمن الثقافي بالظهور والتبلور أو فسح الطريق أمام تنمية حضوره المستقبلي، كصمام أمان للمجتمع. لكنَّ مؤشر التشاؤم لا يعني اليأس وغلق الطريق أمام سؤال الأمن الثقافي بالظهور وفرض حاجته الماسة، فهو سؤال صميمي يرتبط بوجود المجتمع وهويته الوطنية الغائبة والمنقذة في ذات 
الوقت.