بالفطرة .. لا بالفهلوة!

الرياضة 2022/06/06
...

علي رياح
 
نحن أناس يستهويهم الديكور، وتبهرهم البروزة حد الاستعباد، ولهذا دأبت مناهج (التغبية والتعتيم) لدينا على ضخ هذا العدد الهائل من الشهادات في أوصال التاريخ من دون أن تكون لجوهر هذه الشهادات ـ في كثير من الحالات ـ قيمة تذكر على أرض الواقع لا في المردود الاجتماعي، ولا في القيمة الإنتاجية، ولا في البناء العلمي، ولهذا ـ أيضاً ـ أصبح كثير منا يستمرئ تعليق الشهادات على الجدران وفي الفاترينات وفي غرف الضيوف بوصفها الجزء الحيوي والأكثر جذباً في هذه الغرف ! .
 أنا بالطبع لا أتحدث عن كل الشهادات في كل الأزمنة وفي كل المواضع، فلدينا النخب العلمية الأكاديمية التي نفاخر بها الدنيا، ولدينا من يصنع رقيه (بضم الراء وتشديد الياء) العلمي أجيالاً معرفية وميدانية متصلة، لكني أتحدث عن أولئك الذين يتخذون من الشهادة ستراً أو ستاراً لطمس معالم الإبداع الميداني الذي قد يتجلى بالموهبة والفطرة والسليقة لا بحزمة من الأوراق العامرة بالاصطلاحات المتعالية التي تهبط بالمعرفة إلى مستوى التسطيح، فما هي إلا لغو تذروه الريح عند الممارسة العملية.
وفي الرياضة، تصدعت رؤوسنا كثيراً بقصور البحث العلمي في كثير من المناسبات أو العناوين، ثم تصدعت أكثر بـ (ثمار) هذا البحث، ولعلني أتساءل مع نفسي وأسأل غيري عن هذا الإثراء العظيم الذي أسهمت فيه الفطرة الرياضية في صناعة الإنجاز وفي تطويره وما يقابله من إسهام ضعيف لكفاءاتنا العلمية في هذه الصناعة.. إنه لفرق جسيم إذا وضعنا المردود على طاولة التشريح النقدي العادل، لا بل إن الأمر يسوء إلى درجة أبعد من هذه إذا اتخذ (العالم) الرياضي من شهادته وسيلة لإقصاء غرمائه أو نظرائه الميدانيين العمليين من أهل الفطرة بعد أن يدمغ شخوصهم بصفة الجهل، وقلة المعرفة، وتواضع التحصيل العلمي. 
أتذكر على الدوام حكاية مدرب كان متمنطقا بشهادته في علم التهديف.. تولى في زمن مضى مسؤولية قيادة فريق مهم.. وفي نهاية الموسم كانت الأرقام صارخة وكانت أكاديمية ذلك المدرب العالم تتجلى بفقر تهديفي غير مسبوق أصاب الفريق. 
لقد أجدبت أرض الفريق فلم يسجل في مبارياته الثلاث عشرة سوى أحد عشر هدفاً بينها ستة أهداف من ركلات جزاء احتسبت للفريق، وقد نفذ خمساً من الركلات لاعب مدافع في الفريق، ولم يسجل المهاجمون في الدوري كله إلا ثلاثة أهداف، وقد انتهت أربع من مباريات الفريق بنتيجة (1- صفر) وتعادل الفريق خمس مرات بنتيجة (صفر ـ صفر).. وكان الجمهور يردد في أوساطه على المدرجات عبارة (مبروك .. جالك هدف) كلما سجل الفريق هدفاً بعد صبر طويل وذلك تعبيراً عن العقم الذي أصاب لاعبيه.
كرة القدم تدار بالفطرة والموهبة كما تدار بالعلم والشهادة، بينما المنهج لدى بعض مدربينا أن العملية التدريبية تُدار بالفهلوة والصوت الزاعق!.