الروائي الأميركي تشارلز يو: أستعين بشخصياتي لأتجنَّبَ الشعور بالألم

ثقافة 2022/06/07
...

 ترجمة وإعداد: الحسن جمال 
تشارلز يو (1976) كاتب وروائي وسيناريست أميركي. وهو مؤلف روايات «كيف تعيش بأمان في عالم خيالي علمي» و «الحي الصيني الداخلي» (الحائز جائزة الكتاب الوطني) فضلا عن مجموعات القصة القصيرة «بطل خارق من الدرجة الثالثة» و»آسف، شكرا جزيلا لك». 
في عام 2007، تم اختيار يو من قبل مؤسسة الكتاب الوطنية كواحد من «5 تحت 35»، وهو برنامج يسلط الضوء على عمل الجيل المقبل من كتاب الخيال من خلال مطالبة خمسة فائزين سابقين بجائزة الكتاب الوطني ومتأهلين للتصفيات النهائيَّة باختيار كاتب روائي واحد من الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا والذين يجدون أعمالهم واعدة ومثيرة بشكل خاص. 
تم اختيار يو لهذا الشرف من قبل ريتشارد باورز. 
فضلاً عن ذلك نال جائزة شيررود اندرسون للخيال وجائزة روبرت أولين بتلر للقصة القصيرة ونال ثاني أفضل رواية خيال علمي، من مركز جون واين وإلسي إم جون لدراسة الخيال العلمي بجامعة كانساس عن رواية كيف تعيش بأمان في عالم خيالي علمي، والمركز الثاني كذلك في جائزة جون دبليو كامبل التذكاريَّة لأفضل رواية خيال علمي عن الرواية نفسها، وجائزة أفضل خيال علمي وفانتازيا للقصة القصيرة فضلا عن ترشيحات جوائز نقابة الكتاب الأميركية عن كتابة سيناريو حلقات المسلسل الشهير العالم الغربي.
 
* تشارلز، عندما كنت طفلاً ماذا كنت تريد أن تكون عندما تكبر؟
- كنت أرغب في أن أصبح عالماً، على ما أعتقد. هذا هو أول شيء أتذكره. لقد أحببت العلوم وكان لديَّ هذه التصور حول تطوير حبَّة يمكن أن تأخذها مرة واحدة في اليوم ولن تكون مضطرًا بعدها لتناول الطعام. (يضحك) لا أعرف لماذا. ثم أردت أن أصبح عالم فلك. ولكن كانت هناك مرحلة اعتقدت فيها أنني أريد أن أكون نوعًا من الهجين بين شخصية لعبة فيديو ونوع من مقاتلي
النخبة. 
ربما كان هذا يعتمد على ألعاب الفيديو حيث يوجد هؤلاء المقاتلون المتميزون حقًا، والمقاتلون الجيدون بشكل مستحيل. وفي مكان ما بين كل هذا كان «بروس لي» يشكل مثالاً لي. شاهدت «قبضة الغضب» و»اختراق التنين» أكثر من مرة، وكنت أرى أن هناك شيئا عنه لم يكن بشريًا تمامًا. لقد كان رائعًا جدًا، ومن الواضح أنه كان نوعًا من العبقريَّة الجسديَّة من حيث قتاله، والموهبة، والسرعة التي يتحرك بها.
 
* من المثير للاهتمام كيف يشكل الأبطال الأسطوريون في ثقافة معينة تخيلاتنا كأطفال. لقد نشأت في رومانيا وأتذكر أنني أردت أن أصبح لاعب جمباز مثل ناديا كومانتشي؟
- أتذكر ناديا كومانتشي، كانت الأخبار طوال الوقت تتحدث عن كيفية حصولها على الدرجات النهائيَّة المثاليَّة وتحطيمها كل هذه الأرقام القياسيَّة! فحتى بالنسبة لطفل أميركي من أصل آسيوي في لوس أنجلوس، كانت ناديا مشهورة عالميًا. لكن
أعتقد. 
كان «بروس لي» شيئا خاصا بالنسبة لي ولأخي، حيث نشأنا في جنوب كاليفورنيا، إذ يوجد أميركيون آسيويون آخرون، لكننا لم نذهب إلى المدرسة معهم. 
وفي المبنى الذي عشنا فيه لم ألعب مع أي أطفال أميركيين آسيويين آخرين. وهناك نقص في رؤية نماذج أميركية آسيوية يحتذى بها في وسائل الإعلام الأميركية، وهذا ما جعل مثال كـ «بروس لي» يشكل أيقونة وبطل أكشن بالنسبة لنا. لذلك أتذكر الإحساس بأنه بطل يمثلنا، إنه كـ «إنه ملكنا». كان هناك هذا الارتباط الخاص ببروس لي وبفكرة أن تكون مقاتلًا في الكونغ فو، وأعتقد أن ذلك بدا وكأنّه شيء خاص بنا على
مستوى ما.
 
* اشتهرت بكتب الخيال العلمي الخاصة بك: «كيف تعيش بأمان في عالم خيالي علمي»، و»آسف من فضلك شكرًا لك». متى تحول اهتمامك إلى الخيال العلمي؟
- حسنًا، أتذكر بالتأكيد أنني كنت في المرحلة الإعداديَّة عندما بدأت بقراءة إسحق عظيموف. خاصة قصصه القصيرة وسلسلته الروائية «النشوء»، وهي قصة ملحميَّة على نطاق المجرّة، حيث يبني فيها مجتمعاً كاملاً ونظرية كاملة للسلوك البشري
والحضارة. 
كان هذا أول لقاء حقيقي لي مع سلسلة كتب متعددة من الخيال العلمي، والتي ساعدتني على فهم الكتابة على أنها ليست مجرد كلمات منثورة على الصفحات. لقد جعلني هذا أشعر أن هناك عالمًا يمكن أن أنتقل إليه مرارًا وتكرارًا. لكنني لم أفكر في الخيال العلمي بصورة جادة إلّا بعد سنوات، وبالتحديد بعد تخرجي من كلية الحقوق.
 
* أعتقد أن حياتك كمحامٍ في شركة تحتاج الكتابة كهروب من الواقع أكثر من الوقت الذي كنت فيه طالبا مبتدئًا.
- لم أكن لأفكر في ذلك مع مصطلح الهروب في ذلك الوقت... أعني، أعتقد أنه من الصحيح أنه في سن مبكرة، كانت الكتابة بالتأكيد وسيلة للانتقال إلى واقع مختلف، أو لاكتساب منظور جديد حول هذا
الواقع. 
حسنًا، أعتقد أن هذا ما كان يجذبني للأدب والخيال منذ وقت مبكر، لكني أعتقد أن هناك العديد من الاستخدامات والقيم الأخرى للخيال العلمي التي تطورت بمرور الوقت.
 
* مثل؟
- حسنًا، في بعض أعمالي، لا يعمل الخيال العلمي فقط كعدسة للوقائع المتخيلة، ولكن أيضًا كطريقة للتفاعل مع هذا الواقع، أو لإعطاء صوت للفئات المهمشة. لأنني أعتقد أن هذا النوع من غلاف الخيال العلمي يمكن أن يسمح بسرد القصص بطرق لن تصل إليها قصة مباشرة وواقعية. 
 
* كما هو الحال في قصتك القصيرة، «حزمة التوحد القياسية»، حيث في عالم المستقبل، يتم تعيين موظفي مركز الاتصال لتجربة الحزن والألم وحسرة القلب للأثرياء الغربيين الذين يفضلون تجنب هذه
المشاعر.
- حسنًا، ككاتب، أعتقد أنه من الرائع أن يكون لديك بعض الغرور عند كتابة رواية خيال علمي، مثل، كما أشرت، في «حزمة التوحد القياسية»، هناك عالم يمكنك فيه الاستعانة بأشخاص آخرين لتجنب شعورك بالألم. بالنسبة لي، هذه فكرة مثيرة للاهتمام بطبيعتها، لقد كتبتها منذ أكثر من عقد من الزمان، وأصبحت الآن أكثر قربا للاستيعاب، الآن لدينا اقتصاد أسهم كبير، ومع تقدم التكنولوجيا. 
هناك احتمال أكبر بأن يصبح ذلك أقرب إلى نطاق الواقع. لكنني أعتقد ككاتب، أن ما أهتم به حقًا هو ما يفعله الخيال العلمي بجملتي.
 
* لأنه عليك التفكير بطريقة مختلفة تمامًا؟
- بالضبط، إذا جلست وحاولت كتابة قصة مباشرة، واقعية، طبيعية، فأنا أفكر بكل الطرق التي أفكر بها عادةً، يومًا بعد يوم، كنوع من الروتين الممل. 
(يضحك) لكن عندما أجلس وأضع أفكاراً من هذا النوع، أجبر نفسي على استخدام عيون وآذان وأدوات مختلفة وإدخال ذلك في الكتابة الفعلية. أنا مهتم بالكيفية التي يشكل بها هذا الأسلوب طريقة الإملاء وبناء الجملة بطرق غير متوقعة.
 
* هل يمكن أن يكون تصنيف الخيال العلمي مقيدًا أيضًا نظرًا لتصوره على أنه «نوع أدبي» أكثر من كونه «أدبيًا»؟
- كقارئ، أعتقد أن هناك مجموعة كبيرة من الأشياء التي يمكنك وضعها تحت مظلة الخيال العلمي وهذا هو السبب الذي قد يجعله ينهار في نهاية المطاف، وخاصة حول بنيويَّة النصّ، فهل يهم حقًا ما تسميه؟ أو هل يهم حقًا المكان الذي تضعه فيه، أو كيف تقوم بتسويقه؟ كما تعلم، أحب قراءة الروايات، ولا أعرف ماذا أفعل
بهذا. 
وأين يتناسب هذا في تحديد جنس النوع الأدبي.. لا شيء من هذا يحمل الكثير من الوزن عندما تتفاعل معه فعليًا. 
أشعر أنَّ عليك أن تجتاز نطاقًا كبيرًا من الخيال العلمي الفائق الصعوبة حتى تصل إلى شيء أكثر ليونة، إذ يكون هناك نوع من التطور في هذا الواقع رغم أنّك في عالم تخميني، وأنا من محبِّي الأشياء التي تنضوي تحت هذا النطاق.
 
* لقد كتبت مؤخرًا في مقال لصحيفة «الاتلانتيك» قلت فيه إنه «لا يمكن للخيال العلمي أن يخترع أي شيء أغرب من الواقع الغاشم للكون نفسه». يبدو هذا صحيحًا بشكل خاص هذه الأيام.
- وقد بدأنا بالفعل في رؤية التأثير الأول للأزمة الحالية على هذا النوع، لكنني لا أعتقد أن هذا هو الشيء الحقيقي بعد. أعتقد أنه في مكان ما على بعد سنتين إلى خمس إلى عشر سنوات من الآن، سنرى كل الطرق التي يتشكّل بها هذا. ونحن ما زلنا نعيش فيه، ولكن إذا كان عليَّ أن أقدم مبكرًا - على الأرجح تخمينات خاطئة - أعتقد أنَّه سيكون هناك نوع من الصراع مع حقيقة أنّه من الصعب على الجنس البشري أن يتجاوز غرابة ما مررنا به للتو، لأنه يبدو وكأنه تقريبًا أخذ ملاحظات من خيالنا. 
لكن في الوقت نفسه أتساءل عن مقدار هذا الاسقاط الذي نطرحه عليه، كنوع من الدافع الطبيعي لعمل قصة منها أو لاستلهام بعض المعنى للأشياء.
 
* هل تقول إنَّ قصصك مدفوعة بالرغبة في فهم الغرابة؟
- حسنًا، على سبيل المثال، مع كتابي الأول، «كيف تعيش بأمان في عالم خيال علمي»، لم يكن لديَّ أي فكرة عمّا كنت أفعله ولم يكن لديَّ أي فكرة أنه ليس لديَّ أي فكرة. (يضحك) كنت أتعثّر بشكل أعمى في المجهول وأكتب شيئًا كان شخصيًا حقًا من نواحٍ كثيرة. إنه كتاب غريب حقًا، إذ يتم تشغيل آلة الزمن بالندم والذكريات - لكنني كنت أعرف أن هذه قصة عائليَّة في النهاية. بينما مع «الحي الصيني الداخلي»، على سبيل المثال، وهو أمر شخصي تمامًا، أردت أن أحضر بعضًا من التاريخ القانوني والاجتماعي جنبًا إلى جنب مع نقد هوليوود أثناء محاولتي الانخراط في نقاشات عامة حول العرق والقوالب النمطيَّة العرقيَّة. لم أكن أعرف ما إذا كنت مستعدًا لذلك أم لا.
 
* هل كانت كتابة «الحي الصيني الداخلي» على شكل سيناريو فيلم طريقة لوضع فهم مغاير لهذا النوع من النصوص؟
- هذه حقًا طريقة جيدة لتأطيرها. هناك بالفعل مجال في ذلك، وأعتقد أنه يمكنك الإفلات من العديد من القوالب. قد ينظر الناس للأمر مثل، «حسنًا، هذا ليس أدبًا مناسبًا. ما الذي يجعلني أقرؤه؟».. فالسيناريو يبدو مختلفًا تمامًا عن قراءة الصفحات. 
وآمل أن يساعد هذا القارئ على التفاعل مع النص من منظور مختلف قليلاً، ويدفعه للتفكير، «ربما سأغير توقعاتي حول ما يحمله هذا النص» وبعد ذلك، ما آمله هو أنه يثق في ما يحمله النص. 
وأن هذا العمل كان وفيا للوعود التي قطعها للقارئ، حتى ما لم يتم التعهّد به، وأنه قدم أكثر من اللازم من حيث الوزن الذي يحمله في الواقع.