الكتابة العصريَّة

ثقافة 2022/06/11
...

 إبراهيم سبتي
 
في وصف آخر خارج المصطلحات والمفاهيم النقديَّة، ثمة كتابة جديدة اقتحمت السرديّات في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد دخول عالم الخوارق التقنية إلى فضاء الكتابة. والكتابة الجديدة لا تعني أن ثمة كتابة أخرى قديمة أصبحت بالية لم نعد نطالعها أو نحاول تجاوزها ونسيانها ورفعها من تاريخ الكتابة. بل إن الجديدة هنا هي ليست الكتابة التي لا تشبه سواها من الكتابات. إنّها تواكب العصر وتسايره وتكتسب منه وتتلوّن بلونه وتتأثر به وتعبّر عنه وعن أسراره ومغاليقه وفضاءاته. بمعنى آخر، إنَّ اللغة ما عادت صافية نقيَّة لتوظيفها في السرد كما تعودنا في الأعمال الروائيّة والقصصيّة، بل إنّها اكتسبت معاني أخرى وألفاظا ومفردات جديدة أدخلتها المعاصرة وصيّرتها في الكتابة الروائيّة أو القصصيّة بل حتى في الكتابة الشعريّة. فالروائي حينما يصف معركة ما في سرده، فقد يستخدم مفردات لم تكن معروفة قبل عقد أو عقدين، فربما يقول طائرات درون أو مدفع ليزر أو إطلاقات فرط صوتيّة وغيرها من المفردات التي تعزز سرده، وهذا جزء حيوي من المعاصرة التي تبني لها عالماً لا يشبع عوالمنا المعروفة. 
لقد تعودت الكتابة على نمط لغوي معين أصبح هو اللازمة لبناء أية فكرة روائيّة أو فعل لحركة حدث ما بفعل اللغة المعتادة التي لم تتغير لعشرات السنين. إنَّ تطورات العصر فرض لغة ضمت ألفاظاً في بعض السرد المكتوب، لم نكن نعرفها ومفردات غريبة نوعاً ما، وهو ما صار يطلق عليه الكتابة الجديدة والتي اشتملت على إظهار فكرة غريبة أو شاذة أو التطرّق إلى موضوع غريب على مجتمعاتنا مثل المثليَّة والأبوة الناقصة أو الأسرة الأحاديَّة. أو التطرّق إلى فكرة البيت الذي تعمل فيه الروبوتات بدلاً من النساء لإعداد الطعام والتنظيف والسفر.
إنّه طفرة المعاصرة التقنية التي أجبرت السرد أن ينحاز إلى تلك المفردات أو الوقائع. وليس بالغريب أو العجيب أن يشعر الكاتب بالتغيير المفاجئ في كتاباته، بل إنها صارت أو ستصير جزءا من الحياة الراهنة وهي من ثم إحدى الأفكار والمواضيع المطروحة للكتابة بقناعة الكاتب أو من دونها. 
قرأت رواية لكاتب عربي فكرتها غريبة ومجنونة، بطل الرواية يضع خطة يحصل عليها من كتاب قديم، لافتعال الحرب بين دولتين جارتين، ومن ثم تتزايد مبيعات إحدى شركات الأسلحة التي راحت تمد الحرب لكي لا تتوقف. إنها فكرة العصر الجديد المتأثر حتما بواقع فرض نفسه على الحياة المعاصرة المليئة بالأزمات والخسارات والبحث عن الهوية التي كادت تعصف بكل الوجود. 
وربما تناولت السينما مبكراً، هذه الموضوعات الغريبة وصارت تفرض أفلامها على بعض المجتمعات التي مازالت تمتلك قوة الرفض لأفلام تتناول المثليَّة أو الأسرة الناقصة أو الأسر الأحاديّة. أما الكتابات السرديّة فليس بعيداً عنها هذا التناول حتى لو كانت تلك الأفكار هدامة أو مزلزلة للمجتمع وهو الأمر الذي لم يعد مقدّساً أبداً في بعض البلدان. فثمة متغيرات عصريّة تحاول الكتابة الجديدة البوح بها ولو باقتراب خجول الآن، لكنّها ستقتحم السرد ذات يوم من دون وجل بحجة أنّها كتابة معاصرة وجديدة بلا شك.