بالأدب وحده.. دجايلي أمادو أمال تعبر ضفاف التعسُّف

ثقافة 2022/06/13
...

 عدوية الهلالي
تعود دجايلي أمادو أمال، بعد فوزها بجائزة غونكور الأدبيّة لطلاب المدارس الثانوية لعام 2020 عن روايتها (نافدات الصبر)، لروايتها الجديدة (قلب الساحل) مع شخصيّة رمزية واستحضار قوي ورومانسي لوضع المرأة، إذ جعلت مؤلفة الفولاني الكاميرونيّة من حياتها مادة لعملها. 
ففي روايتها (نافدات الصبر)، التي أعيد إصدارها مؤخرًا في فرنسا، نجد ثلاث نساء من عائلات الفولاني الثريّة والمسلمة في شمال الكاميرون. أُجبرت اثنتان منهما على الزواج، بينما واجهت الثالثة قدوم زوجة جديدة. أما في روايتها الجديدة (قلب الساحل)، فتهتم الكاتبة الفولانية والمسلمة بـ (فايدي)، وهي مراهقة ضعيفة، مثل صديقاتها بينتو وسرافاتا، ليس لديها خيار سوى مغادرة قريتها للعمل كخادمة في مدينة مروى.
وتحاول الكاتبة بشجاعة العثور على مكان آمن وهادئ في ظل الازدراء الطبقي والعنصريّة والعنف الجسدي والنفسي، كما تصور بموهبة لافتة امتيازات المدينة - المساكن الواسعة التي يمكن للرجال إيواء زوجاتهم وأطفالهم فيها - والحياة اليوميّة في الريف، حيث تجف حقول الدخن والذرة الرفيعة تحت تأثير الاحتباس الحراري، وتتعامل دجايلي أمادو أمال مع قلب الساحل هذا، باعتباره حيًا نابضًا بالحياة، كما تضم القصة واقع المرأة مقرونة بقصة رومانسيّة جداً عن الحب المستحيل.وفي كل مرة تكتب فيها دجايلي كتابًا، تقوم أيضًا بالبحث عن الكتاب التالي ويستغرق الأمر منها سنتين أو ثلاث سنوات من التحقيق لجمع المواد اللازمة. فعندما كتبت رواية (نافدات الصبر)، كانت تفكر في رواية (قلب الساحل)، التي تتحدث عن شاب، من عائلة ثرية، يغتصب خادمة. وقد لا تهم هذه القضية النساء نافدات الصبر، اللواتي لا يعتبرن اغتصاب الخادمة حدثًا مهماً، إلا أنها أرادت أن تعطي هوية للفتاة، لتخبر الآخرين كيف عاشت، والعواقب التي تترتب على وجودها، ولتتساءل لماذا لا يهتم أحد بمصيرها؟ فإذا كانت بطلات (نافدات الصبر) يعانين من العنف، لكنهن يستفدن من المكانة الاجتماعية والراحة المادية، لكن هذا ليس هو الحال مع أولئك اللواتي
يخدمنهن.
لقد ولدت رواية (قلب الساحل) من حياة الكاتبة ذاتها فقد عاشت في مروى دائماً مع خدم من القرى الجبلية، وكانت والدتها المصريّة حنونة للغاية وتتعامل مع الخدم وكأنّهم من أفراد أسرتها فكانوا يحسنون معاملتهم ويرسلون أولادهم إلى المدارس، لكن الخدم الآخرين كانوا يعانون من المظالم بسبب طبقتهم الاجتماعية وأصولهم في بلد مثل الكاميرون، التي تضم مائتين وأربع وثلاثين مجموعة عرقية، لذا بدا لها أنه من الضروري التحدث عن التسامح والتعدديّة الثقافيّة وقبول الآخر من أجل مكافحة أي قبليّة، وأي رفض للآخر بسبب العرق أو الدين خاصة وأنّها عانت من هجمات حركة بوكو حرام الإرهابيَّة التي تدعو إلى تطبيق الشريعة.
فعندما كتبت دجايلي أمادو امال (نافدات الصبر)، في عام 2017، كان المرء يخشى من تلك الهجمات بالفعل، لكنها تذهب اليوم أكثر إلى المناطق المتضررة، وتعمل كثيرًا مع جمعيات الضحايا من النساء، ولم يعد من الممكن الخروج من المأزق بشأن هذا الموضوع. فقد كانت لغارات بوكو حرام عواقب وخيمة على النساء والفتيات، إذ تم اختطاف الآلاف وإجبارهن على الزواج. وهذا أيضًا هو السبب الذي جعل الكاتبة ترغب في التحدث كثيرًا عن ذلك، من دون مراعاة تأثير هذه الاضطرابات على السكان الذين، يعيشون فقط من الزراعة أو الماشية - وهذا صحيح بالنسبة لمجموعة الفولاني العرقية. فلعدة قرون، طبق هؤلاء السكان المعرفة التي تنتقل من جيل إلى جيل - مثل شهر البذار، لإعداد الحقول، وشهر الحصاد.. والآن يتوقف المطر ويتعطل توقيت المواسم تمامًا ويتغير المناخ ما يؤدي إلى حدوث فيضانات أكثر أو أقل: إنه أيضًا وقت المجاعة والموت.
تعرضت دجايلي امادو أمال للزواج القسري من رجل يبلغ من العمر 55 عامًا عندما كان عمرها 17 عامًا، وكان الشيء الوحيد الذي أحدث فرقًا بينها وبين زميلاتها في الفصل، اللواتي بقين خاضعات، هو أنها قرأت روايات حول هذا الموضوع وقرأت كل النصوص المتجذرة في ثقافتها والتي جعلتها تدرك حقوقها. لقد استخدمت الكتابة في البداية كمنفذ، لتحرر نفسها من صدماتها - كالتغلب على الاغتصاب الزوجي والعنف الجسدي الذي عانت منه خلال زواجها الثاني - ثم اعتقدت أن الأدب يمكن وينبغي أن يغير العالم ما ساعدها في الدفاع عن القضايا التي تهمها. وتقول أمل إن كتبها مأخوذة من وقائع حقيقيّة، سواء كانت تجاربها أو شهادات من الآخرين، فهي تريد نشر التثقيف والتوعية، وهي فخورة بأن (نافدات الصبر) قد تم إدراجها في منهاج السنة النهائيّة في الكاميرون. وتذكر أن شاباً أخبرها، خلال ندوة ثقافيّة حول روايتها، أنه كان يؤمن دائمًا حتى ذلك الحين أن «الصبر» الذي أثير موضوعه في الرواية، والإحساس بالتضحية لدرجة نسيان الذات المغروسة في النساء - كان أمرًا طبيعيًا بالنسبة لوالدته ولم يتخيل أبدًا أنها يمكن أن تعاني
 منه.
لقد أنشأت الكاتبة جمعية (نساء الساحل) في عام 2012، وعندما تنشر رواية فهي تعتمد على جمعيتها في العمل الميداني، ففي هذا العام، قامت الجمعية برعاية أربعمئة طفل من خلال دفع تكاليف تعليمهم كما تم إنشاء مكتبات خاصة في المناطق الريفيّة، حيث يكون الطفل قد أنهى دراسته من دون أن يقرأ كتابًا. إنّها تستخدم صندوقًا تملأه بالكتب وتعهّد بإدارته إلى رئيس القرية ومدير المدرسة. كما تقوم بأعمال في الكليات والمدارس الثانويّة، حيث تعمل مع الفتيات الصغيرات وتشرح لهن كيف أن التعليم هو ركيزة تطورهن، ولماذا من المهم بالنسبة لهن الحصول على شهادات وتعلم التجارة، وكيفية حماية أنفسهن من العنف، ولا سيما الزواج المبكر والقسري.. إنّها تعمل مع الجمعيات النسائيّة، ولكن أيضًا مع مجتمع القادة ورجال الدين وتتناقش معهم قبل بداية العام الدراسي حتى يطلبوا من الآباء السماح لأطفالهم بالاستمرار في الذهاب إلى
المدرسة.