الشاعرة ديبورا لانداو: العالم بحاجة إلى كُتّاب ليقولوا الأشياء التي نشعر بالخجل منها

ثقافة 2022/06/18
...

 ترجمة: الحسن جمال 
تعد قصائد الشاعرة الأميركية المعاصرة ديبورا لانداو التي تلقت تعليمها في جامعة ستانفورد وجامعة كولومبيا وجامعة براون، وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي والأميركي، من أفضل ما أنتجه الشعر الأميركي، إذ صنفت من بين أهم مئة شاعر من الجيل الجديد، ونشرت أعمالها في كبريات الصحف والمجلات التي تهتمّ بالشعر والأدب في الولايات المتحدة وأوروبا.
 
صدر لديبورا خمس مجاميع شعريّة، وهي الأهداف الناعمة (الحائزة جائزة الكتاب المؤمن)، واستخدامات الجسد، والساعة الأخيرة القابلة للاستخدام، ومختارات لانان الأدبية من مطبعة كوبر كانيون، وأخيراً، صدرت مجموعتها “الهياكل العظميَّة” في نيسان الماضي.. اختيرت لجائزة روبرت دانا أنهينجا للشعر. وحصلت على زمالة غوغنهايم. لانداو حاليا هي مديرة برنامج الكتابة الإبداعيّة في جامعة نيويورك، إذ تُدرِّس أيضًا وتعيش في بروكلين مع زوجها وأبنائها.
*  السيدة لانداو، ما هو الجزء الأكثر إرضاء لك في كتابة الشعر؟
-  أفضل ما في الشعر هو الإمكانيَّة التي يوفرها للتواصل مع الشخص الآخر من خلال اللغة. من الجيد في القراءات أمام الجمهور عندما يأتي شخص ما بعد ذلك للحديث عن القصيدة. هذه هي لحظتي المفضّلة ككاتبة. أحبُّ القيام بالقراءات، أحبُّ الرسائل من القراء، أحبُّ مشاركة القصائد مع الأصدقاء. هذا النوع من الاتصال الحميم، وجهاً لوجه، هو أحد أعظم الملذّات. يسمح الشعر بنوع من التواصل مع الحياة الشخصية للقرّاء.. كما لو كنت تدخل العالم الداخلي لشخص آخر.
*  يبدو أن هذا الفضول موجود فينا جميعًا بالفطرة.
-  إنّها متعة بدائيَّة! اعتاد معلمي المفضّل أن يقول إننا نتوق إلى اكتشاف الغرابة التي لدى الآخرين. كما أن الدافع للتواصل مع الآخرين من خلال اللغة شعور قوي.. نعيش حياتنا في وحدة، لذا يوفر الشعر - نوعا من الاتصال الحميم الذي نتوق إليه.
*  هل تشعرين غالبًا بالوحدة في الحياة؟
-  كانت السنوات القليلة التي عشت فيها في لوس أنجلوس مليئة بالوحدة. كان المكان جميلًا جدًا هناك، ولكنه منعزل أيضًا - ثقافة السيّارات، والهدوء الميت في شوارع الحي في منتصف فترة ما بعد الظهر. ولا يمكن أبدًا أن أشعر بأن الطقس مثالي. أشعر براحة أكبر في نيويورك في يوم رمادي وسط زحام من الناس. السرعة المحمومة هنا تناسبني.
*  حسنًا، أنت الآن متزوجة ولديك أطفال وتديرين برنامج الكتابة الإبداعيّة في جامعة نيويورك. كيف تجدين الوقت الكافي لكتابة الشعر بجدولك الزمني المزدحم؟
-  أحاول توفير ما لا يقلّ عن ساعة يوميًا للقصائد، أوّل شيء في الصباح قبل حلول اليوم. من الجيد أن تكتب بعد ذلك وأنت محاط بالموسيقى والكتب الجيدة، وفي متناول يدك فنجان من القهوة القويّة. مع مرور اليوم يصبح الاهتمام بأيّ شيء أصعب أكثر فأكثر. يجب أن أغلق الهاتف أو أتركه في غرفة أخرى. بعدها أحاول الاسترخاء تماماً في الليل حتى أكون حاضرة للأشخاص الأكثر أهمية بالنسبة لي.
*  الكثير من عملك يحدث في كل يوم. تقول الفنانة سارة موريس أنّ الواقع مثير للاهتمام وغريب لدرجة أنّها لا تشعر بالحاجة إلى صناعة أفلام روائيّة. هل تعيشين الشعور نفسه؟
-  لست مهتمة بتهويل الواقع من أجل الفن. يحدث الكثير في الداخل - في العقل - لدرجة أنه حتى في أكثر الأيام العادية غالبًا ما تشعر بالغموض والوحشيّة والبهجة. عندما تعمل القصيدة، يصبح المألوف غريبًا مرّة أخرى، وتنكشف الحياة بكلّ غرابتها التي لا يمكن فهمها. كما يتناول أحدث كتاب لي ملذات الحياة الأسريّة وتعقيداتها على أمل زيادة الغرابة الهائلة لهذه التجارب.
* ما هي التجارب التي تقصدينها بالضبط؟
-  الزواج والأمومة، الموضوعات التي قد تبدو مألوفة، الحمل، على سبيل المثال يكون عاطفيًا في كل مكان، لكن اللحظة التي يخرج فيها الطفل من الجسد تكون غريبة تمامًا، وهي خيال علمي خالص. أنت تعلم أن الطفل موجود هناك، ولكنك لا تعرف حقًا حتى لحظة الولادة السرياليّة.
* ما هو أول ما فكرت به بعد ولادة أطفالك؟
-  لطالما فوجئت بكيفية ظهور جوهر الشخص في اللمحة الأولى، منذ اللحظة الأولى التي يفتح فيها الطفل عينيه على هذه الأرض يمكنك أن ترى من هم.
*  عند كتابة سيرتك الذاتية عن أطفالك أو حياتك الجنسيَّة، هل سبق لك أن تغلبت على خوفك من الإحراج؟
-  عندما أكتب، أكون وحيدةً في غرفتي. لا يخطر ببالي أن أيّ شخص سيقرأ ما أكتبه، لذلك لا أشعر بالضيق أو الإحراج.
*  ماذا عندما تقرأين عملك أمام الجمهور؟
-  إنّه نوع من الصدمة أن أجد نفسي خلف ميكروفون، نعم. كثيراً ما أتساءل ما الذي يجبرني على القيام بذلك! طمأنني أحد المعالجين ذات مرّة بقوله إنّ العالم بحاجة إلى كتاب ليقولوا الأشياء التي نشعر بها جميعًا ولكننا نخجل من قولها. في النهاية، على الرغم من ذلك، فإن الأدب والحياة شيئان مختلفان. عندما أعمل على قصيدة، فإن همي الأساسي هو مجرّد محاولة كتابة قصيدة جيدة، وإيجاد لغة حيوية وكافية للتجربة.
*  إذن من الأفضل أن تكتبي من دون خوف على أيّ حال.
-  الحياة محيرة ومن يدري ما هو آت في القريب. ولكن من نواحٍ عديدة، يمكن أن يكون عدم اليقين أمرًا مبهجًا - فهناك قدر كبير من الحرية فيه. سيكون من العار أن نضيع وقتنا على هذا الكوكب في الخوف.
*  هل تعتقد أن أفضل القصائد يجب أن تجسّد هذا النوع من الحريَّة؟
-  قالت إليزابيث بيشوب الشهيرة إنَّ “القصيدة يجب أن تؤثر على العقل الذي يكون في حالة حركة بدلاً من العقل الساكن”. 
لقد انجرفنا في تكديس الخبرات وحياتنا تمرُّ، ولكن يمكن أن تكون القصيدة حاوية للحظة أو حالة مزاجية بحيث يمكن التقاطها أو الاحتفاظ بها على الأقل على الصفحة، إذ تلتقط قصائدي المفضلة حركات العقل - قفزاته وتداعياته الخارقة.
* هل تتفقي مع ريلكه عندما يقول، “إذا شعر المرء أنّه يمكنه أن يعيش من دون كتابة، فلا يجب أن يكتب على الإطلاق”؟.
-  لن أخبر أحداً ألا يكتب. ربما يكون صحيحًا، على الرغم من ذلك، أنه إذا لم تكن الكتابة مهمة حقًا بالنسبة لك، فمن المحتمل أنك لن تعمل بجد بما يكفي لإثارة اهتمام القرّاء بأيّ شيء.
*  إذن، لم تشعر أبدًا أن كتابة الشعر مثل العمل بالنسبة لك؟
-  الكتابة هي أقرب إلى اللعب. يمكن أن تبدو مراجعة القصيدة وكأنّها عمل. وأنا أراجع كثيرًا في الواقع. سيكون من الصعب تحديد عدد التكرارات التي تمرُّ بها القصيدة قبل أن تبدو منتهية، ولكن عادةً ما يزيد عن خمسة أو عشرة أو حتى عشرين. الأمر ليس سهلاً ولكنه مرضي.. أشعر أنني محظوظة لقضاء أيامي بهذه الطريقة، في القراءة والكتابة. القراءة هي دائمًا جزء أساسي من الكتابة بالنسبة لي.
*  هل لأنّها تعرض أمامك إبداعات الكُتّاب الآخرين؟
-  ربّما تكون القراءة على نطاق واسع وعميق هي أهمّ شيء يمكن للمرء فعله ليصبح كاتبًا أفضل. نتحدث عن ذلك كثيرًا في جامعة نيويورك حيث يدرس طلاب الدراسات العليا لدينا القصائد والروايات الرائعة كطريقة لتعلم كيفية كتابة قصائدهم الخاصة. وبالطبع هذا النوع من التعلم الضروري لا ينتهي أبدًا للكاتب، حتى بعد التخرج بوقت
طويل.