ماذا تعني خسارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أغلبيته المطلقة في الجمعية الوطنيَّة؟ وهل سيكون هذا الفقد في الانتخابات التشريعية تعويقاً لطموحاته الرئاسية، ولأحلامه في إنعاش الفضاء الأوروبي؟
هذه الأسئلة تحمل معها مفارقات سياسية، يتعلّق بعضها بتعقّد الأزمات الداخلية، وبتداعيات التضخم وارتفاع الأسعار، مثلما يتعلّق البعض الآخر بطبيعة علاقة فرنسا بسياسات الولايات المتحدة، وخضوعها لمواجهاتها في التعاطي مع الملف الأوكراني، الذي باتت انعكاساته صعبة على الفرنسيين والأوروبيين، لاسيما بعد قيام روسيا بقطع كامل للغاز عن فرنسا.
الفقد البرلماني وضع الرئيس الفرنسي ماكرون أمام مأزق سياسي كبير، على مستوى صياغته العلاقة التحالفية مع القوى السياسية الأخرى، أو على مستوى تأثير ذلك في توجهات إصلاحاته في ولايته الرئاسية الثانية.
النتائج المتحققة أفرزت واقعاً برلمانياً جديداً، إذ حقق تحالف ماكرون "معاً" أقل من 260 مقعداً، من أصل 570 مقعدا في الجمعية الوطنية، دون الوصول إلى الغالبية العظمى البالغة 289 مقعداً، وهو ما يعني فقدانه هذه الأغلبية، وبالتالي فقدانه القدرة على تمرير القوانين والسياسات التي تحتاج إليها حكومته، داخلياً وخارجياً، لاسيما في إسناد توجهات الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا تسليحياً واقتصادياً، فضلاً عما يخص استيعاب اللاجئين الأوكرانيين في أوروبا، وموقف ماكرون إزاء مشكلات الطاقة والغذاء في فرنسا وفي أوروبا وفي العالم. مقابل ذلك فإنَّ حزب التجمع الوطني اليميني برئاسة مارين لوبان حقق خرقاً مهماً في مقاعد الجمعية الوطنية، إذ تمكن من الحصول على ما يقرب من 100 مقعد، وهو ما يعدّ إنجازاً كبيراً له، سيكون له تأثيره في إيجاد تقاطعات قوية إزاء سياسات ماكرون الداخلية والخارجية، لاسيما أنَّ لوبان تتبنى سياسة معارضة لفرض عقوبات أوروبية على روسيا، فضلاً عن المقاعد الأخرى التي حصلت عليها أحزاب اليسار، والتي تتبنى خطاباً تقليدياً معارضاً لماكرون من اليمين الوسط.
هذه المعطيات سترسم خارطة جديدة، وستضع الرئيس في دورته الثانية أمام صعوبة في ضبط إيقاع الأزمات، وفي فرض رؤيته السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، ومواجهة ما يتداعى من الأزمة الأوكرانية التي باتت تهدد العالم بحروب مفتوحة.