هذا نابليوني

ثقافة 2022/06/22
...

 علي العقباني
 
نصادف في الأدب والفن عموماً رموزاً وإشارات تعني أو تدلّ صراحة أو مواربة إلى شخصية ما، تاريخيّة أو معاصرة، نعرفها أم قرأنا عنها في كتب التاريخ والمذكرات، وفي بعض الأحيان تعيش بيننا، ولكننا حين نقرأها هنا في رواية ما كشخصيّة روائيّة مجسّدة على الورق، تختلط علينا الأمور ونقول لأنفسنا تلك ليست التي نعرف أو عرفنا أو تخيلنا ربما، يحدث ذلك كثيراً وخصوصاً في عالم الرواية.
من أين يأتي هذا اللبس أو تلك المفارقة أو ذاك التناقض في القراءة...؟
يُرجّحُ الكثير من نقاد الأدب والرواية أنَّ هناك عدة متغيرات تتحكم في بقاء الشخصيات الروائية أو القصصية في ذاكرة القارئ، فمن الممكن أحياناً أن يجد فيها بعضاً من سيرته الذاتيّة، أو يلتقط من تصوراتها وحواراتها وعلاقاتها تعليقات مفيدة على ما يعرفه من الحياة، أو يشعر بعد أن يتعرّفها أن معرفته بنفسه قد زادت أو تطوّرت، أو أنَّ هذه الشخصيات تختصر تاريخًا سياسيًا أو اجتماعيًا، لكنّ تلك الشخصيّة التاريخيّة التي تقدمها الرواية ربما لا تتوافق مع تصوراتنا أو معرفتنا بها، أو ربما تقدم تصوراً جديداً مغايراً للمتفق عليه، تلك ميزة الشخصيات الإشكاليّة في الحياة أو في التاريخ، وهنا علينا التعاطي مع تلك الشخصية بما يقدمه الروائي لنا من أحداث وتطورات وعوالم تساعدنا على التعامل مع وجهة نظره وقبولها، وهنا قد نجد لشخصية ما كتب عنها أكثر من رواية وكلّ روائي تناولها من زاويته الخاصة، ثقافته، موقفه الفكري والإيديولوجي والمعرفي والجمالي، إنه هنا يُبدع بطله بالطريقة التي تلائمه وتنسجم مع رؤيته وتوجهه، وفي هذه الحالة لا يمكننا بأي حال من الأحوال اتهام الروائي بعدم قول الصدق، إذ إننا هنا سنقرأ الشخصية من خلال نظرته هو إليها، أي الزاوية التي قرأ بها تلك 
الشخصية.
ولنقارب أكثر تلك المسألة سنأتي بمثال عن «نابليون بونابرت»، ففي رواية الحرب والسلم لتولستوي يصفه بأنّه إنسان ذو جسد مترهّل متورّم، محاط بمجموعة من الخدم المرائين، لا فرق بينهم سواء أكانوا وصفاء أم جنرالات، فنابليون عند تولستوي رجلٌ ضئيلٌ جداً، ظنَّ بغروره أنّه يوجه الأحداث ويديرها، وهذا كما يراه تولستوي في روايته خداع للنفس يستحق الرثاء.
بينما يراه الشاعر الروسي «ليرمانتوف» في قصيدته الشهيرة «سفينة الرياح» بطلاً رومانتيكياً يسمو فوق جميع من يحيط به من البشر، إنّه يصوره كبطل تراجيدي إغريقي خالص، فهو على الرغم من حالته المذلّة في منفاه يمضي بشجاعة وإقدام نحو نهايته المحتومة.
ليرمانتوف أيضاً يراه كقبطان يوجه بيديه الجبارتين سفينة الأحداث التاريخيّة، لكنه كان وحيدا بعدما خذله جنوده.
سنجد هذا التناقض في تناول شخصية نابليون ليس فقط عند ليرمانتوف وتولستوي وإنّما كذلك عند كثيرين ممن تناولوا هذه الشخصية كفيكتور هيجو وبرناردشو وغيرهم الكثير من الروائيين.
وإذا تساءلنا هنا أي تلك الشخصيات هو نابليون بونابرت قائد الحملات الفرنسية التي جابت العالم، يمكننا القول انًّ نابليون هو كل تلك (النابليونات) كما وصفه وصوره الأدب الروائي أو السينما، ذلك أنًّ كلّ مبدع يصوره على طريقته على نمطه وموقفه من حملات نابليون ومنه شخصياً وكذلك موقفه الإنساني والسياسي في الحياة.. فكلّ من هؤلاء المبدعين سيقف ويقول: هذا نابليوني أنا.