ما لم تَقُلْهُ أنّا أخماتوفا لأحد

ثقافة 2022/06/22
...

 طالب عبد العزيز 
 
في الشارع الذي تظلّلهُ شُجيراتٌ تسعٌ 
ثلاثٌ هرماتٌ على الشَّمال، وستٌ لا أعلمُ أين 
وفي نهايتهِ حانةٌ، تُديرها امرأةٌ حزينة .. 
سأنتظركَ، هناكَ .. 
بيدي حقيبةٌ عن اليأسِ
ويشقُّ الفرحُ وجهي نصفَين
حذائي أسْودُ، عليه قطراتٌ من مطرِ البارحة
إنْ وجدّتَ الطريقَ مُضاءةً..  تعالَ 
وإن تأخرتَ، سأعانقُ الشجرةَ الهرمةَ هذه 
فقد عبثت الغربةُ بقميصيَ طويلاً . 
 2
منذ ثلاثينَ عاماً،
ومثلما يُفردُ طائرُ الرَّعدِ جناحيه 
على الثلجِ في الأودية.. 
يجثمُ الشَّالُ الأبيضُ هذا على كتفي 
يسألني الطمأنينةَ والحياءَ الزائفَ 
فأرخيهِ، ساعةَ أكونُ وحدي، 
هكذا، مثلما تفعلُ النسوةُ في مجالسِ العزاء.
أو أدْنيهِ، ثملةً بما كان بيننا..
اليومَ أحتفلُ، بالذِّكرى الألفِ لوفائِه 
 هذا المؤتمنُ الوحيدُ 
على المواعيدِ، وأسماءِ التجاعيدِ في عنقي
ولأنَّك ما زلتَ تُغرِّضُ كلَّ شيءٍ، وتحْسَبه 
فقد تركتُ فمي، كما شئتَ له،
 بكرزه، وهو يأفل، وبلُبنانه وهو يذوب 
بانتظارِ القُبلةِ الأخيرة.                    
3
أذهبُ الى ملمِّع الزُّجاجِ، 
أُوصيهِ بمرآةِ الحمَّام، التي تُطالعني 
بعدَ كلِّ أوْبةٍ مِنكَ ..
أقولُ له: إجعلْها كاذبةً، مثلَ كلِّ الشتائمِ بيننا..
ولتكنْ حوافرُ خيلِ السِّنينِ 
خفيفةً على جبْهتي.
4
أرجوكَ. قلْ له أنْ يتحدَّثَ معي 
ظلّيَ، الَّذي ينأى في الهِدْمَةِ الضيَّقِة تلك
وفي رائحةِ الخشبِ والمساميرِ..
أعدْهُ لي، بالعصا الطيّعةِ، وهي تُرمى 
برائحةِ اللحمِ، وهو يصطبغُ ويشيخ   
و بالحيرة التي كانت لنا معاً ذات يوم..
بارتعاشةِ اليدينِ التي أغادرُها 
وبالساقِ الثقيلةِ، يجعلونَها واحدةً
أرجوك: قلْ للنافذةِ أنْ تنفَرّجَ عن الشارعٍ 
الّذي تظلِّلهُ شجيراتٌ تسعٌ، و أسأله  
من الضَّوءِ ما يكفي لليلةِ سوداءَ أخيرة
وما إذا كانَ الوقتُ مُجزياً 
لأُرخيَ شاليَ الأبيضَ الثقيلَ، وأتعرَّى
فلا أفزعُ من انتظرتُ وأحببت.