غابرييلا غارسيا.. نساء وملح وحياة

ثقافة 2022/06/23
...

 إعداد وترجمة: أمينة ساهي    
 
غابرييلا غارسيا روائيّة أميركيّة الجنسيّة، من مواليد 1984 كاتبة خياليّة وشاعرة وصحافيّة، درست الماجستير في الفنون الأدبيّة والكتابة والنشر بجامعة بوردو، وحصلت على جائزة من مؤسّسة رونا جافي، وعملت كاتبة مقيمة عام 2018 في كتب سراباندي، كما وتمّ اختيار نصوصها للنشر كأفضل شعر أميركي في عام 2019. 
تصفُ نفسها بأنّها شديدة القسوة على ذاتها، ودائما تتوقع أقلّ ما يمكن من النجاح وتغمرها المفاجأة، إذا ما حدثت لها أشياء جديدة جيدة. 
كرّست جهدها كلّه واهتمامها لروايتها الأولى “النساء والملح” التي أهدتها إلى جدتها المعمّرة (لإيرايدا روزا لوبيز، 101 عام) المهاجرة إلى الولايات المتحدة من كوبا عام 1968، وكانت شخصيّة محوريّة في حياتها ولها الدور الكبير في بناء شخصيتها فهي التي ربّتها واهتمت بها. 
عملت غارسيا على الرواية أثناء حصولها على درجة الماجستير في فن الكتابة الإبداعيّة (الخيال) من جامعة بوردو، إذ كانت الكاتبة (روكسان گي) من أوائل المناصرات لعملها والمشرفة عليه. 
تقول هي، واصفة طقوس الكتابة عندها، بأنّها لا تشبه العديد من المؤلفين الذين يكتبون وينشرون كل يوم عدداً معيّنا من الكلمات قبل الإفطار، ولا كالكتّاب الذين لديهم جدول معين للكتابة ضمن طقوس معيّنة وذلك لأنّها تشعر بأنّها غير منضبطة للغاية وتكتب عندما تشعر أنّها تريد أن تكتب فهي لا تعمل كلّ يوم وتتّبع نهجًا سلسًا بجدول زمني مفتوح في الكتابة، ولقد تصارعت مع الرواية عندما أحسّت بحركتها في روحها، وكانت غالبًا ما تذهب وتجلس في المقاهي، حيث المحادثات الصاخبة والأواني الحجريّة والضوضاء والضجيج.
كانت تعمل أحياناً طوال الليل وحتى الساعة الثالثة صباحًا، وقد ساعدها خلال تلك الفترة أنه لم يكن لديها عمل في الصباح الباكر لتذهب إليه وتشعر - عندما يكون بقية العالم نائمًا - أنَّ الهدوء والأمان يسهّل عليها أمر التفكير والاسترسال في الكتابة. 
روايتها (النساء والملح) لا تمتاز بالرومانسيّة على الإطلاق، إنّما هي عبارة عن مجموعة قصصيّة مترابطة تُروى من وجهات نظر متباينة.وتقدّم الشاعرة والروائيّة غابرييلا غارسيا استكشافاً حقيقيّاً لتجربة المهاجرين في عملها فوجهة نظرها تأتي من والديها، إذ كانت تجربتهما كمهاجرين مختلفة بسبب الاختلاف الطبقي والعرقي والمكانة الاجتماعية، وكانت دائماً على دراية بهذه الأشياء بسبب هويّتها، والرواية سلسلة مترابطة من القصص التي يتمّ سردها من وجهات نظر العديد من النساء اللاتينيات، وتنقل القرّاء في رحلة عبر الزمن منذ (1866 وحتى عام 2019 على وجه الدقّة) ومن مواقع وبلدان مختلفة (كوبا والمكسيك وميامي وتكساس) وفي الوقت نفسه تعطي صورة صادمة وكبيرة عن التمييز وعدم المساواة في نظام الهجرة. كما تعطي في الوقت نفسه صورة واضحة وحقيقيّة للانقسام العرقي داخل المجتمع الكوبي والتوترات المعقّدة حقّا في كوبا بسبب معاداة السود وإنكار الجذور العرقية لكثير من الناس. والمقارنة بين المجتمع الكوبي والأميركي حيث لا يوجد الكثير من المحادثات والتوترات حول العرق واللون في الولايات المتحدة كما هو الحال في كوبا. فكانت مهتمّة باستكشاف ذلك ومشاركة صورة دقيقة للعنصريّة الشديدة التي رأتها في كوبا، فضلاً عن التوترات بين الأجيال هناك.
وهكذا خطرت لها فكرة الرواية وساعدها على ذلك كثرة أسفارها إلى كوبا وعملها في منظمة الهجرة ومشاركتها في الدفاع عن المهاجرين، وكذلك عملها ضد ترحيلهم واعتقالهم. وهذه كلها عناصر سهلت لها وألهمتها كتابة روايتها: (النساء والملح)، فضلاً عن الوقائع التاريخيّة التي اعتمدتها وربطتها بما يحدث في الوقت الحاضر وبالقوى السياسيّة والمجتمعيّة الكبرى.
وقد أنتجت هوليود روايتها فيلماً تحت الاسم نفسه “النساء والملح” عن حياة الأمهات والبنات عبر خمسة أجيال وفي أربعة بلدان مختلفة، من كوبا القرن التاسع عشر إلى ميامي والمكسيك الآن. ولقد حاز الفيلم المركز 13 في قائمة الروايات الخياليّة. 
تختار غارسيا عناوين قصصها وروايتها، كما تختار عناوين نصوصها الشعريّة. إنّها بارعة في التقاط حياة النساء في هذا العالم الشاق وهنّ يرفضن الاستسلام له، وتسطر ذلك بدقّة وجمال!، كما في نصوصها الشعريّة التي فازت بأفضل نصوص في الشعر الأميركي الكوبي من الجيل الثاني.  
تقول في “السائحات عند راهبات المحبّة» في خريف 2017:  
 في كولكاتا، عَرق النساء لم أكن أعرفه أبداً 
النساء اللواتي احتشدّن في الحافلة، انسكبنّ من خلال النوافذ 
مثل الأغصان، يطلبن الشمس   
فقط العدس والشاي البارد
في المنزل للنساء اللواتي فقدنّ عقولهن 
أو عائلاتهن أو يمتن ببساطة، ببطء شديد، لا أحد يهتمّ بهن
وأودّ أن أقول أنا لم أتظاهر
المنقذ ولكن من منا يعترف بذلك؟ 
ليست الراهبات ملفوفات باللون الأبيض مثلنا، دُعينا إلى المذبح من قبل قصص الأم تيريزا، ونعمها المتميزة 
بإشراقة يسوع
مثل إعلانات تبييض البشرة على حائط المحلّ، فرشت القطيفة عند أقدام السرير.. وامرأة تحتضر 
امرأة تصدمها عربة، امرأة 
يجب أن تترك هناك لأيامٍ الى أن يحملوها في شاحنة، أطرافها المكسورة تعجُّ بالديدان   
لم يكن لدينا كلام نقوله، لبعضنا بعض لكنها تعرف طلاء الأظافر  
وضعت يدها المرتجفة فوق ركبتي، وأنا لوّنت، بكت.. وأنا لوّنت  
وعندما انتهيت، مسحت يدها التي ما زالت مبللة على سروالي، شرائط من الورنيش 
الجاف الى اليسار تنبعث منها رائحة كريهة تجعل الهواء نتنا
مدّت يدها نحوي وقالت مرة أخرى.. مرّة ثانية.