شبح ترامب يجثم على محادثات الاتفاق النووي المتلاشي
قضايا عربية ودولية
2022/06/23
+A
-A
مايكل كراولي ولارا جيكس*
ترجمة: أنيس الصفار
من الممكن إلقاء اللوم على عوامل عدة أدت بالنهاية إلى تلاشي الآمال بعودة الحياة إلى صفقة إيران النووية 2015، لكن ما من شيء أدى إلى عقر جهود إدارة بايدن أكثر من الإرث الذي خلفه له الرئيس السابق "دونالد ترامب".
كان ترامب بالطبع هو الذي انسحب في العام 2018 من الاتفاق النووي الذي سبق إبرامه مع إيران على يد إدارة أوباما بعد أن وصفه بأنه "أسوأ صفقة على الإطلاق".
ما فعله ترامب كان أكثر من نزع القابس الكهربائي عن الاتفاق، بل يقول المسؤولون والمحللون الأميركيون إنَّ أفعاله وتصرفاته هي الأخرى قد عقدت إلى حد كبير قدرة أميركا على التفاوض مع طهران، التي وضعت من جانبها مطالب خارج الصفقة النووية رفض الرئيس بايدن الاستجابة لها دون الحصول على تنازلات بالمقابل.
كان الاتفاق الأصلي يفرض حدوداً تقيّد البرنامج النووي في مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي سحقت اقتصاد البلد، لكن بعد انسحاب ترامب من الصفقة وإعادة فرض العقوبات بدأت إيران بخرق بنودها هي أيضاً.
عندما لم تلح تنازلات تعزز الآمال بالتوصل إلى اتفاقية جديدة، ومع تحقيق إيران تقدماً ثابتاً باتجاه الحصول على القدرة النووية، قد تجد إدارة بايدن نفسها قريباً مرغمة على اتخاذ القرار ما بين خيارين، فإما القبول بامتلاك إيران القدرة على إنتاج قنبلة نووية أو اتخاذ إجراء عسكري لمنعها من ذلك. أما إيران فقد بقيت تؤكد أنَّ برنامجها النووي مكرّس للأغراض السلمية فقط، مثل إنتاج النظائر المشعة لاستخدامها في تشخيص الأمراض ومعالجتها.
في جلسة استماع عقدت في أواخر الشهر الماضي قال كبير مفوضي وزارة الخارجية "روبرت مالي" متحدثاً إلى أعضاء مجلس الشيوخ إنَّ ترامب قد ترك لبايدن أزمة نووية لا داعي لها، وأضاف أنَّ فرص إنقاذ الصفقة "غدت الآن ضئيلة"، على حد تعبيره.
مفاوضات فيينا لإعادة الصفقة لا تزال متوقفة منذ منتصف شهر آذار، وفي يوم 13 من الشهر الحالي قال وزير الخارجية "أنتوني بلنكن" مخاطباً القادة الإيرانيين إنَّ عليهم اتخاذ قرارهم بأقصى سرعة إن كانوا راغبين في المضي بما تم التفاوض بشأنه وما يمكن إتمامه بسرعة إذا ما اختارت إيران ذلك.
خلال هذا الشهر، وبعد أن وجّهت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون انتقادات إلى إيران لتخلفها عن التعاون مع المفتشين الدوليين، مضى المسؤولون في طهران إلى شوط أبعد حين أوقفوا عمل بعض كاميرات المراقبة وأزالوها من أماكنها في منشآتهم النووية.
وصف السيد بلنكن الخطوة الإيرانية بأنها "غير مشجعة"، لكنَّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال إنَّ إيران قد عرضت على الولايات المتحدة خطة جديدة، ولم يزد في التفاصيل.
قال عبد اللهيان: "إيران لم تتهرب أبداً ولم تترك طاولة المفاوضات، وهي تؤمن بأنَّ التفاوض والدبلوماسية هما أفضل الطرق للتوصل إلى صفقة جيدة
ودائمة."
بيد أنَّ مسؤولاً كبيراً في الإدارة في واشنطن، وهو من المطلعين عن كثب على مجرى المحادثات، قال إنه لم ينته إلى علمه وجود مقترح جديد من جانب طهران. مع ذلك يقول إنَّ الولايات المتحدة سوف تبقى منفتحة على أي أفكار يمكن أن تسفر عن اتفاق.
يقول عدد من المطلعين على سير المحادثات إنَّ إرث ترامب يبقى يلاحق عملية التفاوض التي شرع بها السيد بايدن في مطلع العام الماضي بثلاث طرق ملحوظة في الأقل.
أولاً كان هناك ما وصفه الإيرانيون بأنه خرق جسيم للثقة، لأنَّ انسحاب ترامب من الصفقة من جانب واحد رغم التزام إيران بشروطها أكد مخاوف طهران من سرعة تغيير الولايات المتحدة مساراتها في أعقاب الانتخابات. لذا طالب الإيرانيون على طاولة المفاوضات في فيينا بضمانات تكفل إلزام أي خليفة لبايدن بعدم إلغاء الصفقة مرة أخرى.
في شهر شباط الماضي وقع 250 عضواً في البرلمان الإيراني من أصل 290 رسالة إلى الرئيس الإيراني حثوه فيها على "استيعاب الدرس من التجارب السابقة وعدم الالتزام بأي اتفاقية دون الحصول أولاً على الضمانات اللازمة."
أوضح مسؤولون في إدارة بايدن أنَّ هذا الأمر غير جائز نظراً لطبيعة النظام الديمقراطي الأميركي. وكانت المفاوضات النووية بين القوى العالمية وإيران قد بدأت في عهد الرئيس "جورج دبليو بوش" ثم بلغت مرحلتها النهائية في اتفاق العام 2015 بالتزام رئاسي قدمه أوباما. تلك الاتفاقية لم تتم المصادقة عليها من قبل مجلس الشيوخ الأميركي لكي تصبح اتفاقية.
غير أنَّ لدى الإيرانيين دواعي قلق ذات صلة: فالشركات الأجنبية قد تحجم عن الاستثمار في إيران إذا ساد لديها اعتقاد بأن مطرقة العقوبات الأميركية يمكن أن تهوي مجدداً بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثم خلق ترامب عقبة كبرى ثانية بوجه عودة العمل بالصفقة عندما أمطر إيران بـ 1500عقوبة جديدة، فما كان من إيران إلا أن أصرّت على إلغاء تلك العقوبات التي كانت أشدها إلحاحاً تصنيف ترامب فيلق النخبة في الحرس الثوري الإيراني بأنه جماعة إرهابية في العام 2019. كانت الإدارات السابقة تكتفي بإدانة الحرس الثوري، الذي يشرف على نشاطات حلفاء إيران المسلحين في لبنان وسوريا واليمن كما يساعد فصائل في العراق، غير أنَّ تلك الإدارات بقيت تتحاشى تسمية أي ذراع تابع لحكومة أجنبية بأنه جماعة إرهابية.
قال المفاوضون الإيرانيون إنَّ على السيد بايدن أن يسقط صفة الإرهاب عن الحرس الثوري قبل التوصل إلى تجديد الاتفاقية النووية، لكن السيد بايدن رفض القيام بذلك ما لم تقدم إيران تنازلات أخرى أولاً..
في شهر نيسان الماضي استخدم السيد بلنكن وصف "تنظيم إرهابي" في إطار حديثه عن هذه الجماعة، وكانت هذه هي أحدث
مناسبة.
يقول بعض المحللين إنَّ المسألة رمزية إلى حد كبير، إلا أنَّ الأمر يبقى ثقيل الوطأة رغم ذلك. فالولايات المتحدة قد أوقعت حتى الآن عقوبات مشددة على الحرس الثوري وعلى قياداته، ومن المتوقع أن تكون لتلك العقوبات تبعات بعيدة الأثر على الاقتصاد الإيراني. في شهر أيار أقر مجلس الشيوخ الأميركي قراراً غير ملزم بأغلبية 62 عضواً مقابل 33 يمنع بايدن من رفع التصنيف عن الجماعة. أيدت الإجراء المذكور شخصيات ديمقراطية كبيرة من بينهم زعيم الأغلبية السيناتور "تشاك شومر". وقد كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" رسالة امتنان واستحسان على تويتر عندما أبلغه بايدن بأنَّ التصنيف سيبقى.
قال المسؤول الكبير في الإدارة إنَّ الولايات المتحدة كانت منفتحة على مبدأ إزالة تصنيف الإرهاب، ولكن ليس قبل أن تبدي إيران استعدادها لتقديم تأكيدات جديدة لتهدئة المخاوف الأمنية المتعلقة بالحرس الثوري. وقد امتنع المسؤول، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، عن إعطاء أي تفاصيل أخرى أكثر تحديداً باستثناء أنَّ إيران قد رفضت التزحزح عن موقفها بأي قدر.
يشير المطلعون الذين يتابعون المحادثات إلى طريقة ثالثة لوجستية الطابع يلوح من خلالها إرث ترامب. فالإيرانيون يرفضون التحدث مع المسؤولين بشكل مباشر منذ خروج ترامب من الصفقة، ثم أنَّ ترامب تمادى في إغضاب الإيرانيين عندما أصدر أمره باغتيال القائد العسكري الإيراني الكبير قاسم سليماني في العام 2020.
خلال المحادثات التي دارت في فيينا كان السيد مالي يتواصل مع المفاوضين الإيرانيين عن طريق الرسائل عبر وسطاء أوروبيين من فندقه الواقع في الجانب المقابل من الشارع. كل ذلك أدى إلى تعثر مسار العملية كما تسبب في بعض الأحيان بسوء فهم وضياع وقت.
كان المسؤولون في إدارة ترامب وشركاؤهم قد توقعوا مثل هذه التعقيدات بدرجة أو أخرى لأنهم تعمدوا اصطناع سياسة تهدف في جانب منها إلى جعل أي مفاوضات مستقبلية صعبة ما لم تغير إيران سلوكها جذرياً.
كان "مارك دوبويتز"، وهو الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي تتخذ خطاً متشدداً من الحكومة الإيرانية، أحد المهندسين الخارجيين لما وصف في العام 2019 بأنه "جدار" عقوبات إدارة ترامب على إيران، ومن بين ذلك تصنيف الحرس الثوري ضمن الجماعات الإرهابية.
في حديث له مؤخراً قال دوبويتز، الذي يعارض الاتفاق النووي بكل شدّة: "أشعر بالامتنان لأنَّ جدار العقوبات قد صمد، وكان لابد أن يصمد، لأنَّ إيران يجب أن تجرّد من أي متنفس من العقوبات ما لم توقف سلوكها الأساس الذي تسبب أصلاً بهذه العقوبات."
يقول مسؤولون في إدارة بايدن إنَّ ترامب قد وضع مطالب أمام إيران تمثل حدوداً قصوى وهي غير واقعية، حتى بمقياس الضغط الاقتصادي العالي الذي فرضه ترامب على طهران.
في جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ قال مالي إنَّ إدارة ترامب لم تكن تتوقع من إيران أن تستأنف العمل ببرنامجها النووي وأنها سوف تنصاع للتفاوض حول دواعي القلق الأميركي الأخرى. أضاف مالي: "كم أتمنى لو أنهم كانوا مصيبين، ولكن ثبت أنهم كانوا مخطئين على كل صعيد واعتبار مع الأسف."
بدأت إيران بتوسيع برنامجها النووي عقب انسحاب ترامب من الصفقة، ويقول دوبويتز إنها شرعت بتسريع عملية تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أكثر خطورة، ثم اتخذت خطوات أخرى مهددة حين أعلن بايدن رغبته في العودة إلى اتفاق 2015.
يقول "دينيس روس"، وهو مفاوض في شؤون الشرق الأوسط عمل مع عدد من الرؤساء الأميركيين، إنَّ كلا الجانبين لا تزال أمامهما محفزات لتقديم التنازلات. فالمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي الخامنئي يحتاج إلى تخفيف العقوبات التي تثقل كاهل اقتصاد بلده، وبايدن ليس أمامه من سبيل آخر في هذه المرحلة سوى هذا لأجل تقييد البرنامج النووي الإيراني المستمر إلى الأمام بقوة الآن في ظل حدود رقابة أدنى من جانب الوكالة الدولية للطاقة النووية.
يعترف روس بأنَّ الصفقة النووية التي لم تحظ في الكونغرس إلا بدعم محدود في 2015 تبدو اليوم أقل جاذبية بعد أن اكتسبت إيران مزيداً من المعرفة بخفايا العملية النووية مع اقتراب مواعيد ما يسمى "شروط الانقضاء" في ظرف سنوات قلائل. لكنّه يقول إنَّ بايدن قد يبقى راغباً في العودة إلى الصفقة رغم ذلك، لا لاعتقاده بأنها صفقة ناجحة ولكن لأن البديل سيكون سيئاً للغاية."
بخلاف ذلك، كما يقول روس، سيبقى بإمكان الإيرانيين أن يواصلوا السير على الطريق إلى هدفهم.
*عن صحيفة "نيويورك تايمز"