هل تكفي الحكاية لإنتاج نص؟

ثقافة 2022/06/24
...

 علي لفتة سعيد
 
هل ما زلنا بحاجة إلى تعريف الكتابة الأدبية؟.. كل ما مطروح من أفكار وتعريفات لم يصل باعتقادي إلى ما هو معبّر حقيقي عن فهم الكتابة؟ لذا فإن من الصعوبة وضع كلمات جديدة قابلة للتعويض عمّا قيل.. مثلما من الصعوبة بمكان تقبّل ما يتمّ طرحه في ظلّ سمك التلقّي الجاهز من قبل الكثيرين من المشتغلين في حقل الكتابة الأدبية. فعملية التلقّي عملية نسبية مثلما هي الأشياء الأخرى في الحياة. لا شيء قارّ إلّا بما هو متراكم في الوعي والقول والتاريخ الذي يتحوّل إلى أشياء بديهيّة، وربما تتحوّل إلى مقولةٍ لا يمكن زحزحة مكوّناتها إلى تفسيرٍ آخر.
ولهذا فإنَّ السكوت أيضاً لا يجعل الأشياء لها ديمومة التحرّك.. فالأشياء الجامدة تموت، وتتلاشى بفعل سخونة الإهمال لتطوّراتها وعليه يمكن الأخذ بجزءٍ من المقولات وتحمليها إلى مفهومٍ آخر مرتبط بتحليل النصّ نقديّاً، لأنّه الأقرب إلى عملية إدامة المفعول السحري لماهيّة الكتابة. 
إنَّ ما استرعى الانتباه هو إصرار بعضهم على أن الحكاية التي تؤطّر الكتابة هي وحدها الكفيلة بصناعة فكرة أدبيّة، يتحوّل إلى نصّ أدبي من دون الانتباه إلى أن كتابة الأدب هي كيفية اتّقان اللعبة الكتابيّة. 
الأدب لمن يمتهنه هو لعبة، كأيّة لعبة يبرز من اتّقن أصولها كلّها، وليس جزءا منها هو الحكاية.. التي يطلق عليها البعض من الكتّاب نقاد ومنتجي نصوص أدبيّة. إنَّ البساطة في النص جاءت لوجود محمول الحكاية، ولهذا نراهم يركّزون على الحكاية وتتبّع الشخصيات والمفردات التي تجد في صراعها أكثر من اللعبة التي تضيع بين ثنايا الحكاية.. والأمر هنا قد يبدو في الأعمال السرديّة لكنه يمكن أن يجمع معه حتى الشعر والمسرح مثلاً. إذا ما تم حصر النوع الكتابي وطريقته واتّقان اللعبة في عملية الإنتاج.
إنّ الكثير من المقالات النقدية ركّزت على الحكاية مما أظهر أنّها لا تعي أو لا تريد التطرّق إلى  ماهية اللعبة التي يجب أن تسير عليها الحكاية، ليس السير على سكّة الجنس الأدبي، بل على مضمار كلّي للكتابة، وما يترشّح منها من مكوّنات يعرفها الجميع.
إنَّ الكتابة ليست حكاية قد يملكها الجميع بلا استثناء، حتى الطفل الذي بإمكانه (يحكي/ يسولف) حكاية من عندياته، فينبهر بها البعض وبطريقة حكايتها، خاصة إذا ما وضع لها عقدة الصراع والتفاعل أو ما يمكن أن نطلق عليها الصفة الدرامية. ولكن هل يكفي هذا أن يمتلك منتج الأدب الحكاية فحسب؟
إنَّ البساطة في الكتابة وعدم اتّقان اللعبة لا تعطي أهميةً للنصّ الأدبي، فإنَّ ضياع مفردات اللعبة من لغة ووضع الأدوات الأوليَّة في مكانها والركض في مضمارها وكيفيَّة التقطيع الزمني والتفاعل مع القدرة الصناعيّة/ الإنتاجيّة، فإنَّ كلّ هذا سيضيع في تقبّل النصّ، حينها لا تشفع الحكاية الجميلة والرائعة والمميزة ليكون النصّ مبهرا ومبدعا، ولن يكون الناقد على دراية بأدواته النقديَّة لأنّه أنساق خلف جزء واحد من اللعبة الإنتاجيّة، ولا نقول إنّه كتب تحت تأثير العلاقات، لأنَّ هذا خارج السياق الذي يمكن الإشارة له.
إنَّ اللعبة النصيَّة الإنتاجيَّة لا تقف عند حدود الحكاية، وإن الإنتاج الأدبي للنصّ لا يمكن إلّا أن يقع تحت مفعول اللعبة التي تحتاج الى مران عقلي وجسدي وروحي ومالي واجتماعي وقدرة على التفكير والمخيلة وعملية الاصطياد لهذه الحكاية التي تعدّ  هي العمود الفقري، بكل تأكيد لأيّ نصّ أدبي مهما كان نوع جنسه، وكيفية تحويل الحكاية الى فكرة قابلة للمناقشة، وكل هذا يحتاج الى إدراك بأهمية اللعبة التي يمارسها في العملية الكتابية هذا الأديب أو ذاك، لذا فإنّ النقد الذي يسوق للحكاية على أنّها جميلة من دون الأخذ بخطوط أو فعاليات المضمار الكلي يعد انتقاصا للأدب، فالحكاية لا تعلو على الإنتاج الإبداعي. فكم من رواية لها حكاية عظيمة لكن اللعبة لم تكن صحيحة، ولم يستطع منتجها إيصال النص الى خطّ النهاية ليكون ضمن الفائزين بالمراكز الأولى، وأيضا العكس صحيح. ثمّة نصوص أدبية لا تمتلك حكاية مميزة لتكون عظيمة لكنها بفعل فهم منتجها للعبة وممارستها تمكن من إخراجها بشكل كبير.
إنَّ النصّ الذي يعتمد على سرد حكاية عاطفية هي من أكثر النصوص، التي لا تبقى في الذاكرة وتكون معرضة للتهميش، وأن ناقدها الذي يرفع من شأنها على أنها رواية الحكاية البسيطة لن تكون بمنأى من أنه غير متمكّن من أدواته لأنه لا يفرق بين الحكاية واللعبة الكتابية.