أغلفة الكتب.. النصّ الأوّل

ثقافة 2022/06/24
...

 بغداد: محمد الباقر
يرى الكثير من النقاد والمهتمين بعالم المعرفة أن غلاف الكتاب يسهم بشكل فعال في اقتناء القرّاء للكتب التي تقع عليها أنظارهم، وفي الآونة الأخيرة، وفي ظل الصراع والتنافس الكبير فيما بينها لإظهار مطبوعاتها بطريقة تلفت الانتباه وتجذب المتلقي، لجأت بعض دور النشر إلى الاستعانة بأغلفة جاهزة من (الكوكل) مما أوقعها في أخطاء عدّة، منها تكرار ظهور الأغلفة نفسها على أكثر من مطبوع، ويزداد الأمر ارباكاً إذا كان الكاتب في بداية مشواره الأدبي، ولا يملك اسما معروفا في الوسط الثقافي فتعوزه الخبرة وتنقصه الدراية فيتدخل بشكل يؤدي في النهاية إلى مزيد من الفوضى.
 
ذائقة المؤلف
يقول رسام الكاريكاتير أحمد المالكي: “للأسف الشديد يقع أغلب الأدباء والكتاب في هذه المشكلة إذ تتجه أنظارهم إلى لوحات بعينها أو أغلفة متقاربة فيحصل التوارد وتكون النتيجة مطبوعات متشابهة، إذ قد يفرض بعضهم على دار النشر لوحة معينة تكون قد استعلمت في مطبوع آخر من دون الرجوع إلى أصحاب الاختصاص”. 
ويعتقد المالكي أن المشكلات التي تقع في اختيار الغلاف تأتي من ذائقة المؤلف في أغلب الأحيان، إذ يصرّ على لوحة معينة قد تكون لا تصبّ في صلب العنوان، وهذا محسوب 
على دار النشر أولاً وأخيرا، “فالقارئ لا يعرف أن ذوق المؤلف هو من فرض هذا الغلاف أو تلك اللوحة التي قد لا تنسجم في بعض 
الأحيان مع مضمون العنونة”، بحسب رأيه. 
 
ليس لوحة تشكيليَّة
ويؤكّد صاحب دار قناديل للنشر حسين مايع، “أنّ الغلاف هو العتبة الأولى للقارئ في رحلة القراءة؛ لذا تسهم الأغلفة بشكل كبير في جذب القراء، فكثير من الكتب المهمة ظلمتها أغلفتها البائسة، وهناك كتب بائسة أوصلتها أغلفتها المتقنة إلى يد القارئ”. 
ويواصل مايع حديثه عن مساهمة دور النشر في ذلك، “نعمل في دارنا على البساطة والوضوح في تصميم الأغلفة، ابتداءً من اختيار الصور أو الرسومات وليس انتهاءً بنوع الخط، فالغلاف ليس لوحة تشكيليّة، وتبقى هناك خصوصيّة لكلّ غلاف”. 
 
لفت الأنظار
ويتّفق المصمّم: حيدر الشويلي، أنّ الغلاف هو البوابة الأولى والمهمة لدى القرّاء فهو يشكّل نصّا مستقلا يضاف إلى نصوص الكتاب الأخرى، “كذلك قد يحقّق الكتاب مبيعات كبيرة إذا كان الغلاف قد صمّم بصورة محترفة وجاذبة إذ إن التصميم المميز لغلاف الكتاب هو الذي يعمل على لفت أنظار القرّاء والمشترين”. 
 ويضيف الشويلي عن نظرته الخاصة التي يستند إليها في عمله “أعمل على الغلاف من خلال قراءتي التحليليّة والتأويليّة كوني أمتلك رؤية ناقد في هذا المجال، وكذلك الاطلاع على متن الكتاب، ويتمّ اختيار لوحة الكتاب أما من لوحات لفنانين تشكيليين أو صناعة فكرة جديدة تناسب عنونة الكتاب الرئيسة”. 
 
نسق ثقافي
ويرى الكاتب والقاص ميثم الخزرجي أن الرؤى والمتبنيات الناجمة عن عصر ما بعد الحداثة لها معاييرها وسياقاتها الإجرائيّة التي تضيء المتن الأدبي وما يصل إليه أو يتّصلُ به من حيث التصميم ونوع الخط وتنسيق الفقرات وكلّ الأمور التي تعنى بالمادة الأدبية” فالعتبة الأولى -العنوان- له دلالته وفقاً لمقاسات المنهج النقدي مجترحاً من خلالها كمّاً من العلائق والمقترنات تبعا لاختيار هذه المثابة. 
ويضيف الخزرجي: “واقعاً أن ثمّة نسقا ثقافيا غير معلن يتماهى مع الحالة الشعوريّة التي تحيط المتلقي جراء اقتنائه مادة أدبيّة معينة، فمنهم من يشدّه أو يجرّه العنوان المشاكس أو المكشوف بعيداً عن المحتوى وقد اتَّكأ وعوّل كثير من الأدباء على هذه الجزئية وراهنوا على تسليع منجزهم الأدبي بعيداً عن كنه المضمون وجودته لينسحب هذا حتى على المشاريع الأخرى كالأغنية والفيلم السينمائي والمسرح فتكون الالتفاتة من قبل المتلقي ازاء العناوين التي لها مقومات الدهشة، ولربما يأتي المحتوى فيما بعد”. 
ويؤكد الخزرجي أنّ “هناك سلطة نسقيَّة لها ممكناتها الواضحة تعيّن المادة منذ الوهلة الأولى بغض النظر عن المؤن المخبوءة بين دفتي هذا الكتاب، وأنا هنا أمام الصورة المحتشدة باللون التي تدخل ضمن هذا المضمار، فطبيعة الألوان أيضاً لها إحالة ضمنية تتسق أو تتناغم مع الطرح الذي يزعمه الأديب لتجذب الآخر بصورة أو بأخرى، وقد شرّعت المناهج النقديّة الحديثة بتناولها هذه التفاصيل متوقفة عندها بوصفها من للوازم الفنية التي تسهم في رفعة واكتمال المادة الأدبيّة وركوزها من الناحية الجماليَّة”.
 
الدار والمصمّم
أما القرّاء فلهم دورهم ورأيهم في هذه المسألة المهمة، إذ تعتقد القارئة أزل يحيى أنّ الغلاف يسهم بصورة مؤثرة جداً، كونه يمثل النصّ الأول الذي نراه من جماليات الكتاب، وتسمى هذه موازيات نصيّة، ولكن يبقى الأهم النص المتن. وتتساءل: ما الفائدة أن أحصل على كتاب ممهور بعنوان وغلاف جميل وبين طياته محتوى بسيط لا يرقى للطموحات؟
وتضيف أزل وبحسب ما تظن أنّ “الغلاف مسؤولية الدار والمصمّم، وهناك مصمّم ذكي يرسم على ضوء المتن، وهناك من يضع لوحات جاهزة”. 
وتشير إلى أن كتب أدونيس كلّها قائمة على لوحة واحدة، لهذا كقارئة أهتم بالنص فقط، ولكن التسويق والنقاد يحتاجون لوحة الغلاف لتحليلات خاصة، شخصيًا أشعُر بسعادة عارمة، حينما يكون العمل لكاتب مغمور وفي الوقت ذاته يحتوي على جميع الأسس والركائز المهمة التي تصنع الكتاب الناجح ومنها الغلاف المميز.