علي حسن الفواز
قد يكون مستقبلُ العالم صينياً، هذه ليست بدعة إيديولوجيَّة، بل هي قراءة لحسابات التجارة والسوق والاستهلاك، وبمنظور هذه القراءة فإن ستراتيجيات المستقبل تكمن في وضع السياسة في سياق الخدمات التجارية، وفي إعادة النظر إلى مفهومي الشريك والعدو، وهما عنصران يتحددان في سياق المصالح والعلاقات الدولية.
ما قاله رئيس وزراء هولندا مارك روتا يصبّ في هذا الخيار، فهو يعارض أيَّ إجراءٍ يتقاطع مع مصالح بلاده التجارية مع الصين، بقطع النظر عن تسييس التعاطي مع قضايا هونغ كونغ وأقلية الإيغور، وهي توجهات أميركية قبل أن تكون أوروبية، وعلى نحوٍ يدعو إلى عزل الصين، وإلى الحدّ من تحولها إلى "تنين تجاري" مؤكداً ضرورة أن تعمل السياسة لصالح الاقتصاد وليس العكس، وباتجاهٍ يهدف إلى معالجة المشكلات العالقة بنوعٍ من المسؤولية، وبما لا يقطع الارتباط مع "سلاسل الإنتاج الصينية كما يقول..
حساسية الموقف من الصين باتت تنطلق من طبيعة علاقتها بالحرب الروسية الأوكرانية، وبالدور الصيني الداعم لروسيا، والرافض للعقوبات الأوروبية الأميركية عليها، وإذا كانت بعض الدول وجدت في التشدد الأميركي رهاناً على أمركة العالم، فإنَّ الموقف من الصين سيكون خاضعاً لحسابات أخرى، وعلى وفق قراءة خارطة المصالح، إذ سيكون ذلك الموقف أقلّ راديكالية، وإلى تقييمٍ أكثر موضوعية، لأنَّ قطع العلاقات، أو الحدّ منها لن ينفع أحداً، بقدر ما سيُسهم في توسيع البؤر الصراعية، وسيُفقد أوروبا سوقاً عملاقة، فضلاً عن دوره في تخليق عالمٍ آخر لأقوياء الشرق.
تصريحات المسؤول الهولندي جاءت خلال الاجتماع الأخير للاتحاد الأوروبي في بروكسل، وهو ما يعدّ تلميحاً بحدوث انشقاق في الموقف الأوروبي إزاء الصين، وحتى إزاء الحرب المفتوحة في أوكرانيا، وهو ما يعني أنَّ هناك توجهات لسياسات أوروبية خاصة، بعيدة عن الضغط الأميركي، وبما يجعل أوروبا أكثر اهتماماً بمصالحها مع الشريك الصيني الذي بات يستحوذ على أكبر اقتصادات العالم، على مستوى الأسواق والاستهلاك، أو على مستوى المستقبل الجيوسياسي، إذ سيجد الأوربيون أنفسهم بعيداً عنه، أكثر تورطاً في مشكلات قد تُسهم في تعريض أوروبا ونظامها الاقتصادي والاجتماعي إلى مخاطر كبيرة..