أميرة الأحلام

ثقافة 2022/06/28
...

 د. سعد عزيز عبد الصاحب
تنتمي مسرحيّة الأطفال (أميرة الأحلام) لفالح حسين العبد الله مؤلفاً وحسين علي صالح مخرجاً لتجليات المسرح التعبيري ببنائه الذاتي والبوح الداخلي للشخصيّة الرئيسة فيه وبتقانة الحلم ورحلة الشخصيات داخله وهي تقانة مستمدة في أصولها ومرجعياتها الجمالية من سردية ألف ليلة وليلة وظفها المسرح المعاصر في عروضه واصبحت قاسماً مشتركاً في معظم عروض الطفل المسرحية عندنا، وذلك لتبرير تحولات وحدتي الزمان والمكان داخل حبكة العمل الدرامي من جهة ولإدهاش المتلقي الطفل وإمتاعه في ضوء ما توفره فرضية الحلم من ظلال وأشباح وعوالم سحرية فنتازية لا يمكن تجسيدها في زمانها ومكانها الواقعي. 
 
 
ففي المسرحية نلاحظ أن الفتى (فراس) الكسول يحب النوم ولا يقيم وزناً وانتباهاً لرنين ساعة التنبيه التي توقظه صباحاً لأجل اللحاق بالمدرسة والإفطار المبكر، فيعصي أمرها ويعود للنوم مرة أخرى، لتأتي له في الحلم أميرة الأحلام وتطلب منه أي أمنية يتمناها فتحققها له، فيطلب منها الفتى فراس بإصرار عطلة دائمة طويلة لا يوقظه فيها أحد فقد ضاق ذرعاً بالساعة ونداءاتها المستمرة وصوتها الذي يصم الاذان، فتعده بتلبية طلبه وتعود أدراجها، إلا أن الساعة تعود منزعجة لتوقظ فراس في الساعة الواحدة ظهراً وهو موعد ملتبس ليس صباحاً كي يستطيع أن يجد إفطاراً ليأكله فيضطر لاصطحاب الساعة وسيد الكسل ـ وهو دمية عملاقة تشبه حيوان الأليكا بطيئة تساهم في تثبيط فراس وتكسر من عزيمته ـ إلى السوق كي يشتري أرغفة خبز ساخن ليفطر بها.. هناك يفاجئ فراس بأن السوق في عطلة فلا بيع فيه ولا شراء في الأثناء يظهر لفراس والساعة وسيد الكسل لص يحاول سرقة نقود فراس في السوق الفارغ من المارة إلا أنه يعاند ولا يعطي نقوده فهو قد جاء ليشتري الخبز فيقترح اللص شرطاً مفاده إذا لم يستطع فراس شراء الخبز. 
فالنقود يكسبها اللص وإذا استطاع الشراء لا يريدها، يفشل فراس في شراء الخبز فيقع في المحظور عندها تتوسل الساعة الفران في أن يخرج فراس من هذه الورطة ويخلصه من اللص فينبئهم الفران بكلمة السر التي تحول اللص وسيد الكسل إلى تماثيل حجرية لا تستطيع فعل شيء في عودة أخرى لمخرجات (الليالي) العربية وتقنياتها السردية والتحويلية، أخيراً يعود فراس إلى غرفته وفراشه الوثير فهو ما زال يحلم فيستدعي أميرة الأحلام التي أدخلته في هذه الدوامة، فيطلب منها أن تعيد الحياة للسوق والمدرسة والبيت رافضاً العطل واستمرارها داعياً إلى العمل والجد والمثابرة ـ في نقد ضمني لكثرة العطل والمناسبات في بلادنا ـ لتعود المسرحية كما بدأت في أول مشاهدها عندما توقظ الساعة فراس مبكراً فيستيقظ على عجل وبحماس مرتدياً ملابس المدرسة متناولاً إفطاره غاداً الخطى نحو إنجاز التزاماته وواجباته قاذفاً بدمية الكسل خارج غرفته تشتمل المسرحية في بنيتها الداخلية مبنى مركباً بتقنية حلم داخل حلم.. أو مسرح داخل مسرح وهي تقانة اشتغل عليها المسرحي الايطالي (بيراندللو) وأسس مبناها الجمالي في المسرح المعاصر، استطاع المخرج حسين علي صالح  فرز جدل الثنائيات والمتناقضات في عرضه المسرحي فشخصية الساعة اليقظة والحادة أداها الممثل المتميز عدي الكرخي، على النقيض من سيد الكسل البطيء الحركة والناعم الصوت واللص على النقيض من شخصية الفران، فالاول يضع على عينيه جلدة تخفي ملامحه يمشي سيد الكسل معه كظله في حين أن الفران سريع الالتفات متوقد الذهن منتبه قرين الساعة، وهذا قادم من أن عملية الخبز تحتاج إلى الانتباه التام ومراعاة التوقيت حتى لا يحترق الخبز، وهذا ما عبر عن بمهارة الممثل ماجد عبد الجبار والأداء التمثيلي البلاستيكي المرن والرائع للممثل سعد شعبان وتحولاته الجسدية والصوتية كان أقرب إلى الممثل اللاعب منه إلى الممثل المتقمص بوضوح صوتي وضبط حركي وايقاعي قل نظيره وكذلك كان لأداء الممثلة الشابة رانيا أحمد بتمثيلها لشخصيتي (أميرة الاحلام) و(سيد الكسل) ثقلاً جسيماً في العرض، فهي ماتزال ممثلة في بداية الطريق انيطت بها مهمة أداء شخصيتين أساسيتين في العرض، فكان حضورها واثقاً وأداؤهاً موفقاً إلى حد كبير ما عدا بعض مناطق (المونوتون) في شخصية سيد الكسل التي يمكن تلافيها في العروض المقبلة، وأضاف الممثل المعروف لؤي أحمد، نكهة خاصة مائزة لشخصيّة اللص. 
ولم أتمكّن من أن أبرر عملية غلق الستار لتبديل الديكور أثناء العرض، ففي المسرح الحديث هناك تقنيات لتبديل المنظر بعيداً عن هذه الطريقة القديمة، فكان على مصمم ومنفذ الديكور سهيل البياتي تلافيها والتخلّص من الديكور المطبوع والشبيه بالإعلانات والاستعاضة عنه بديكور بنائي متحرك ولا أستطيع إغفال الجهد الإبداعي لمصمم الدمى والأزياء هشام الركابي، على تصميمه لدميتي الساعة وسيد الكسل اللتين كانتا في أروع صورة.