الأدب الرومانسي.. مشاعر بالأسود والأبيض

ثقافة 2022/06/30
...

 سيف الدين سعد
لم تكن الشابة أحلام علي، 19 عاماً، من هواة قراءة الكتب، ولكن امتناعها عن استعمال الهاتف النقال، وحرمانها من مشاهدة التلفاز طيلة فترات امتحاناتها في المرحلة النهائية للثالث متوسط، دفعها للانزواء لساعة من الوقت يومياً لقراءة روايات عبير المركونة بصندوق من الكارتون المقوي في غرفة الكراكيب بمنزلهم. 
تقول أحلام: لقد وجدت هروبي من كتب المناهج الدراسية للاستمتاع ببعض الوقت قبل النوم.. كانت هذه الروايات تسحبني بشدة إلى عالم آخر ممتلئ بالحب وعواطف جديدة على حياتي.. ترى الفتاة أن روايات الحب كانت تنقذها من واقع مجتمعها الذي يعيب على مثل هذه المشاعر. 
 
روايات سطحيَّة
دوما ما يلاقي قارئ الكتب الرومانسيّة نظرات تبدو أقل من قارئ الأنواع الأخرى من الأدب، وقد يعكس بعضهم هذه الحالة إلى أن الأدب الرومانسي، هو أدب ترف ومصاغ على وفق مخيال بعيد عن واقع المجتمع تجاه قصص الحب التي يعيشها، فهي تدور حول الفارس الذي سينقذ حبيبته البطلة الجميلة والرقيقة، ودائماً ما تنتهي هذه الروايات والقصص بحياة سعيدة. إلاّ أن عباس ساجد، 23 عاماً، ينتقد مثل هكذا قرّاء ويعيب على من يسارع لاقتناء الروايات الرومانسية، وهو يقول، إن «لكل منا ذائقته أكيد، وهذا النوع من الأدب كفيل بمرحلة المراهقة لا أكثر ولا أقل، فهي روايات وقصص سطحية نوعاً ما». 
ويضيف أنه «ومنذ العصر الفلكلوري وهذه الروايات والقصص تعاد وتشكّل حبكاتها مع كل عصر حديث». 
عباس لا يعيب تجربة الكاتب في هذا الشأن، ويشير إلى جمال وعظمة بعض المؤلفات الرومانسية، إلّا أنها تبقى تجربة خاصة، بحسب وصفه. 
ويقول إن «الحياة باتت أكثر تعقيداً وتسير بوتيرة متسارعة بالأحداث، لذا فلا يمكنني أن أضيع وقتي في كتاب يصف المشاعر بسطحية، كما أن الأدب الراقي يلتمس الواقع بتفاصيله الدقيقة من دون جماليات ولا يبحث في كمال
النفس». 
 بانوراما واسعة
أما نور محمد، 25 عاماً، التي تحرص على قراءة الروايات والكتب منذ سبعة أعوام، تفضل قراءة روايات الأدب الرومانسي وخاصة كتب أحلام مستغانمي، وتتذكر خاصة روايتها «الأسود يليق بك» التي حصلت عليها من أختها، كما تقول إن «أكثر رواية أحببتها كانت انا كارينا وهي من أعظم الروايات الرومانسية بالنسبة لي، إذ تقدم بانوراما واسعة للحياة في روسيا، وكذلك روايات مثل «قلب الجبل» و «ماسة في يد القاسي» و «تزوجت
مدمناً».تقارب نور هذه الروايات مع حياتها الزوجية فهي تبحث عن نفسها بين طيات صفحاتها، وتضيف «حتى إذا كان الأدب الرومانسي يقدم القليل من التجارب الحقيقية يبقى الفرق شاسعاً بين القارئ وغير القارئ من حيث المعرفة الثقافية العامة إن لم اقرأ هذه الكتب حتماً فإنني لن أعرف كل الأشياء من حولي، وكيف يعيش الأشخاص في مختلف البلدان». 
 وتشير إلى أنها تحاول أن تقرأ الروايات من الأنواع الأدبية الأخرى في المستقبل، وخاصة الروايات التاريخيّة والواقعيّة.
 
منظومة التلقي
ويرى الناقد والأكاديمي د. عمار الياسري أنه بعد نزوعها نحو الذاتية والحفر في جوانيات الشخصية وإرهاصاتها الوجودية تسيّدت الرواية الرومانسية على المشهد السردي على حساب الكلاسيكية والواقعيـة، وهذا مرده التحولات المعرفية والجغرافية والسياسية والاقتصادية التي حاقت بالذات الإنسانية مما جعل هذه الروايات تشغل حيزًا كبيرًا على مستوى التلقي في العقود السالفة بسبب محاكمتها للسلطات القهرية التي وضعت البشرية تحت يافطات متنوعة. 
ويقول إن: روايات عالمية مثل “جين أير لشارلوت برونتي” و”آنا كارنينا لليو تولستوي” وصولًا إلى “الحب في زمن الكوليرا لغابريل غارثيا ماركيز” تركت أثرها الجمالي على منظومة التلقي حتى غيرت الكثير من المفاهيم بسبب التماهي الذاتي ما بين النص والقارئ بعد أن بيعت منها الملايين من النسخ، وحتى حينما حولت إلى السينما شاهدها الآلاف من المشاهدين وبأرباح عالية والحال ذاته في الرواية الرومانسية العربية التي حققت ذات الانتشار. 
ويعتقد الياسري أنه ومع بزوغ فلسفة ما بعد الحداثة في الثلث الأخير من القرن المنصرم شهدت الرواية الرومانسية تحولات جمالية مبنى ومعنى، إذ تسيدت طروحات المركز والهامش والمقدس والمدنس التي تبنتها طروحات النسوية وما بعدها والجنسانية والزنوجة وما بعد الكولونيالية، لتصبح الرواية الرومانسية ميدانًا رحبًا لعمليات الهدم والبناء المتجسدة من خلال صراع المركزيات. 
ويضيف: أن رواية مثل “في داخلي أنثى عبرية” لخولة حمدي تجسد صراع الهوية ما بين الذات والآخر المختلف فلم تعد لواعج الحب ورغباته هي المتسيّدة بقدر الاهتمام بتفكيك الأنساق المضمرة التي تعلب الذات النسوية الساردة تحت سلطاتها. 
ليس هذا فحسب ففي رواية “طوق الياسمين” للروائية ذاتها نلحظ تقويض الخطاب الكولونيالي عبر رحلة الفتاة التونسية إلى فرنسا وما تعانيه من أنساق طاردة مثل اللون والجنس والدين فتعمل على تفكيكها عبر علاقاتها هناك، بحسب رأيه.
ويشير إلى أنه لم تكتفِ الرواية الرومانسية الما بعد حداثية بالمعنى فحسب، بل اشتغلت على إنشاء معمارية مخاتلة ومفارقة للروائية التقليدية، ولو لاحظنا رواية هيبيتا للروائي المصري محمد صادق نجد أن الرواية تشتغل على تفتيت الزمن عبر أربع قصص تتناول مراحل الحب السبعة، ومع هذه التقانة غير التقليدية بيعت من الرواية آلاف النسخ بطبعات فاقت الأربعين.
“تبقى المغامرة في تشييد بنية مختلفة بموضوعات مقموعة الطريقة الأمثل في ري جسد النص الروائي وهذا ما جعل الرواية الرومانسية قريبة من وعي المتلقّي ما دامت تجوس في ارهاصاته ورغباته المؤجلة والدفينة”، على وفق تعبير
الياسري.