التقاعد من الوظيفة العامة في العراق

آراء 2022/07/01
...

  د. طارق عبد الحافظ الزبيدي 
لكل بداية نهاية، لذلك يقال إن بقاء الحال من المحال، ولذلك مهما استمرت الوظيفة العامة ومهما كانت طبيعة الوظيفة دنيا أو عليا، فإن شاغلها في النهاية يحال على التقاعد وينفك من وظيفته، مقابل استمرار الدولة بإعطاء الراتب مع فروقات واضحة وكبيرة بين نسبتها، عندما يتقاضاها وهو في الوظيفة، بالقياس إلى ما يتقاضاه من مبلغ وهو خارج الوظيفية.
مع بداية شهر تموز تتم إحالة أعداد كبيرة من الموظفين على التقاعد بحسب السن القانونية، وكون العديد من العراقيين بالذات في خمسينات وستينات القرن الماضي، تمَّ تسجيلهم بتاريخ الاول من تموز (1 /7)، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى ذلك تبقى مسألة الإحالة على التقاعد مسألة فيها أبعاد نفسية واقتصادية، الأولى بالإمكان تجاوزها مع مرور الوقت، ولكن الثانية لا يمكن تجاوزها كون الراتب التقاعدي قليلا بالقياس إلى احتياجات المتقاعد بعد بلوغه السن تظهر فيه المراض، التي تستدعي الذهاب إلى الأطباء وأخذ العلاج، الذي قد يكون مزمناً بمعنى دائمي وليس وقتيا، فضلا عن أن أغلبهم لديه مسؤولية في أسرته، بالرغم من كبر أولاده بالذات مسؤوليته تجاه بناته ممن هن ربات بيوت وليس لديهن أعمال اووظائف.
وما يشخص على أغلب الموظفين المتقاعدين انهم يتملكون خبرة متميزة، والبدلاء على الأغلب الاعم لا يمتلكون تلك الخبرة، لذلك حدث انقطاع واضح بين الاجيال القديمة والمعاصرة وهذا قد يلاحظ بشكل اوضح في الوظائف الفنية والتقنية، والسبب في هذا الانقطاع يتعلق بالاكتفاء على الدراسة النظرية، دون الممارسة التي يحتاجها الموظف بشكل عملي اثناء الوظيفة.
ومن باب الامانة العلمية ليس الجميع ممن تقاعد هو بالمستوى نفسه، من حيث العمل والمثابرة أو من حيث السلوك، هناك من حدث شاغل واضح عند ترك مكان عمله، كون كانت لديه بصمة، وهناك من تقاعد ولم يؤثر اي تأثير وهو مصداق للمثل القائل (إن حضر لا يعد وإن غاب لا يفتقد). اما من حيث التعامل الأخلاقي فنجد من ترك حزناً على فراقه، وهناك من ترك فرحاً على غيابه، هناك من احتفل به جميع زملائه، وتم تكريمه من المسؤول، وهناك من خرج دون اي احتفاء أو تكريم، وهذا يرتبط بالسلوك الأاخلاقي الوظيفي للموظف طيلة خدمته.
التساؤل المهم في هذا الشأن ما هي أبرز المشكلات التي تواجه المتقاعد في العراق؟ وهل من مقترحات تذكر لتحسين أوضاعه؟، في الحقيقية المشكلات كثيرة والمقترحات كثيرة ايضا، ولكن نقترح عددا منها، لا سيما الاجرائية دون النظرية والتي يمكن تحقيقها بسهولة ولعل من أبرزها: 
الكثير من المتقاعدين يمتلكون خبرة ورغبة بإكمال مشاريعهم الخاصة بعد التقاعد في القطاع الخاص، ولكن بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والامنية وضعف المشاريع والاستثمار في القطاع الخاص، أصبح هذا الحلم مؤجلا إلى إشعار آخر.
الكثير من المتقاعدين تتأخر معاملاتهم بسبب دوائرهم تارة وبسبب دوائر التقاعد تارة اخرى، مما يستوجب اكمال المعاملات قبل تقاعد الموظف بستة أشهر على أقل تقدير لكي لا يبقى المتقاعد دون راتب لأشهر متعددة بسبب عدم اكمال معاملته.
بعض الرواتب التقاعدية لا تنسجم مع الخدمة المقدمة من قبل الموظف، حيث نجد البعض لديه خدمة تقترب من خمسة وعشرين سنة، دون ان يتجاوز راتبه (600 الف دينار)، مما يستوجب اعادة النظر بالمعادلة المعتمدة في قانون التقاعد 
النافذ.
بعض أسباب جعل الوظيفة العامة عنصر جذب وجود الراتب التقاعدي بعده ضمانه للمستقبل، لذلك يفترض الاهتمام بتقاعد العمل في القطاع الخاص، ومتابعة أصحاب المعامل والمصانع والمشاريع بشكل عام ممن يرفض تسجيل عماله في دائرة الضمان الاجتماعي.
 من غير المعقول أن ينظر لجميع الموظفين ولجميع الاختصاصات نظرة واحدة، بمعنى هنا نحتاج تطبيق العدالة وليس المساواة، فهل يمكن ان يتساوى الطبيب والقاضي والاستاذ في الاختصاصات النادرة في السن المحدد للتقاعد مع الموظفين الآخرين، ولذلك خروجهم المبكر قد يشكل خسارة واضحة يلتمسها الزملاء في العمل ممن يحتاجونهم في الاستشارات، بل إن الخسارة قد يلتمسها المواطن بشكل واضح، لاسيما في بعض الدوائر الخدمية المهمة، لاسيما الصحية منها، لذلك يجب ان تأخذ هذه الملاحظة بنظر الاعتبار في التعديلات القادمة لقانون التقاعد.
تبقى لدينا أمنية عسى أن تتحقق في يوما ما، وهي إعطاء كل مواطن عراقي ليس لديه راتب تقاعدي ممن تجاوز السن القانونية (60 سنة فاكثر) راتبا تقاعدياً، حتى ولو لم يكن موظفا سابقا، صحيح هناك فرق بالراتب بالقياس إلى من هو موظف، ولكن هذا الراتب حتى وإن كان بمبلغ رمزي، سوف يسهم في مساعدته وتحسين معيشته ليس بكونه موظفا سابقا، بل بكونه مواطنا عراقيا وصل إلى عمر لا يستطيع فيه العمل، وهذا المقترح يسهم في القضاء على حالات التسول من جهة، ومن جهة أخرى ينمي روح المواطنة عن كل فرد، حيث يشعر إن الدولة التي عاش فيها في شبابه لن تتركه في شيخوخته، ويطمئن كل مواطن على مستقبله عندما يصل إلى أرذل العمر.