شوكت الربيعي.. مؤرشف الأحلام والرؤى

ثقافة 2022/07/05
...

  باسم عبد الحميد حمودي
 
ولد الرسام والناقد التشكيلي المؤرخ شوكت الربيعي عام 1940 في محلة الجديدة (القادرية) في مدينة العمارة، وتخرج عام 1963 في معهد الفنون الجميلة ببغداد ليقيم في العام نفسه أول معرض تشكيلي تجريبي على سياج مدرسة الرفاشية في هور الهدّام.
يقع هور الهدّام إلى جنوب نهر الهدّام الخارج من نهر دجلة لدى مسطحات الأهوار العراقية قبل تجفيف معظمها، ومدرسة الرفاشية تقع قريباً من القرى واليشن المنتشرة داخل الهور، وعلى جانبي نهر الهدَّام الصغير الذي أعطى للفنان الربيعي الكثير من محفزات الطبيعة في تلوين المياه المحيطة.. زرقة وعتمة وتدرجات لونيّة متعدّدة تجدها في اللوحات الأولى للربيعي، وهو يعادل سنن الماء بإشراقات الوجه السومري لحسناوات الهور الجميل. لم تتوقف طموحات الربيعي عند ذلك المعرض التجريبي، فقد أسس جماعة (الجنوب) للعروض التشكيليّة في العمارة، وجمع من حوله رسامي المحافظة ليقدمهم في معارض متصلة، ثم أنتخب رئيسا لجمعية الفانين التشكيليين في البصرة لدورتين متصلتين نتيجة لنشاطاته الفنية، التي نقلها إلى بغداد ليقيم فيها من خلال جمعية الفنانين التشكيليين أكثر من خمسة عشر معرضاً مشتركاً مع كبار التشكيليين أمثال شاكر حسن، ومحمد مهر الدين، ونزار سليم، وجبرا ابراهيم جبرا، وعشرات غيرهم. 
في أعمال شوكت الربيعي التشكيلية الكثير من الموضوعات التي تطغى فيها التشكيلات البصرية الموحية على استخدام البيئة كبعد  للمعرفة الإنسانيّة وتجسيدها.
في لوحاته التي عرضت في بغداد وسواها من مدن الحلم نجد انفعال التضاد أبرز صفات تكوين اللوحة، حيث توجد فيها أماكن توحي بالحدة والقسوة والطمأنة المتضادة مع الصيغتين السالفتين، حيث تبدو الرموز الإشاريَّة غير منفصلة عن واقعيَّة متقنة الصنعة.
بعض حيوات شوكت الربيعي المرسومة وجه آخر للغموض الذي يرتدي جسد الاحتجاج الشفيف على واقع مختل في معاييره.. إنّه نوع من أنواع التفليش العقلاني الذي يسميه آخرون (التفكيك). يمتلك الربيعي مهارة التجسيد الأدائي الذي يعتمد بيئة الريف التي عايشها، وبيئة المدينة التي شكلت وعيه الثقافي وتطامن مع عزفها الأزلي لإعلان ديمومة الحياة والحرب على التخلّف الفكري.
في لوحاته انعكاس لروحانيَّة الفنان في محاولاته الدائبة للتميّز تجريبيا من خلال بناء لوحات تنتمي إلى الأرض التي أحبها وإلى 
روح التجديد المديني المتبرجز.
إنّ لوحة مثل (فتاة وفانوس) التي رسمها عام 1964 تجسد تلك الرؤى الطافحة بالتوق إلى الاحتيال على السعادة وتمثلاتها البريئة.
يقول شوكت الربيعي عن ذاته: (أنا دودة قز، وأمي يتعلم نطق الحكي ولفظ صوت المعنى في الفكر، لم أخترع أوهامي، بل حملت على كتفي ذلك المبدع الذي اجتاز أبعد مدى في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد).  أي الإنسان السومري الذي هو لبنة الحقيقة التاريخيّة وتمثلاتها الفكريّة والتشكيليّة. إنّها في معظمها تجربة الأهوار العراقيّة والرموز التاريخيّة التي تحتويها بكل تعقيداتها النفسيّة والاجتماعيّة وبكل قسوة الحياة   وإشراقتها ورقتها.
في لوحات الربيعي تجد تشكيلات الحياة العامة والفرديَّة تقدم خلاصة للإصرار على التاريخ العام والشخصي في متوالية فنيَّة مغرقة بالألوان الدالّة على كرنفاليَّة التغيير المتمنى لهذه الأرض.
كان الربيعي عضوا في لجنة (الأيكا) التابعة للمنظمة الثقافيَّة العربيَّة، وقد نشر أكثر من أربعين كتابا في النقد التشكيلي عن العراق والعالم العربي، من هذه الكتب الخاصة بالنقد التشكيلي: (مقدمة في تاريخ الفن العراقي، الفن التشكيلي المعاصر في العراق، الفن التشكيلي في الخليج العربي، فائق حسن، يحيى جواد، رسامون كتاب).
 عمل شوكت الربيعي مستشارا تشكيليّا في مؤسسة (آفاق عربيَّة)  قبيل تقاعده، وأنجز بالتعاون مع كاتب هذه السطور تصميم العدد الممتاز من مجلة (التراث الشعبي) عام 1988 عن (ألف ليلة وليلة) ورسم جميع الرسوم الإيضاحيَّة للدراسات عدا ما استلَّ من طبعات قديمة لليالي الألف، وما يزال الربيعي فنان موقف ومنشئ دراسات تشكيليَّة مهمة.