أدب ما بعد الأدب

ثقافة 2022/07/06
...

إبراهيم سبتي
خمسة وعشرون فصلاً هي عدد فصول كتاب الناقد العراقي محمد يونس محمد (أدب ما بعد الأدب في الفلسفة الموضوعية)، والصادر حديثا، وخلال التجول في هذه الموضوعات التي ضمها الكتاب، أجد أن الأفكار والرؤى التي يطلقها المؤلف تؤكد التعامل مع السرد بعد الحداثة، وأدب بعد الأدب وأدب بسرعة الضوء، وغيرها من الطروحات التي يكتبها المؤلف لاتاحة الفرصة أمام المتلقي، في تعزيز ثقافته في مجال الأدب. 
إن الأدب الذي مرّ بمراحل عديدة وفي مختلف العصور، فإنه يصل إلى مرحلة آنية توصف بأنها حداثة ما بعد الحداثة وهي تختلف كليا عن كل التنظيرات، التي جاء بها النقاد والأدباء على حد سواء. إنها قفزة في سير الجملة والمفردة والفكرة والصورة والشكل والعاطفة والشعور، اضافة إلى التغيير في مجال النقد الذي راح يتعامل مع الأدب بطريقة مختلفة أيضا. إنها مهمة صعبة أن ينبري الناقد لإيضاح الأفكار الحداثوية في واقع متقلب ومتغير وتخترقه الأخطاء المؤبدة من كل جانب، فتصبح التنظيرات بمثابة فتح في فضاء مليء بالمزاج والاشكالية والاجتهاد والاخفاق احيانا. 
إنَّ هذا الكتاب يوضح من خلال المطروح من مسائل جوهرية تخص الكتابة الحداثوية واهم اشتراطاتها، ولكن بصيغة خالية من التعقيد، وبدا وكأنه يدعو الأدباء وخاصة كتّاب الرواية، إلى اعتماد هذه المسارات في كتاباتهم، لكي لا تقع ابداعاتهم في خانة الكتابة التي غادرتها اقلام الحداثة وافكارها. فهو ينطلق بإيراد مبادئ الأدب الجديد مرورا بالإبداع من الادراك إلى الحس الجمالي، وصولا إلى تغيرات مهمة الناقد والنص السيئ والوازع الأخلاقي. 
إنها رحلة تنظيرية في أروقة الكتابة للعبور إلى ضفة حداثة الحداثة، التي تطرح نغسها كرهان رابح للكتابة الحالية في هذا الزمن، الذي اظهر المؤلف الناقد، مدى تأثيرات التقنية والثورة السريعة في عالم الرقميات وتأثيرها في الابداع برمته حتى أنه اسمى الفصل الخاص بها أدب بسرعة الضوء ص48 وأكد بقوله: نحن هنا لسنا ضد عملية التحول، بل نهتم بتفسير التحول من مصير عضوي إلى آخر الكتروني . إن تناول الأدب في هذه المرحلة يجب تجاوز هواجس كثيرة تشغل بال بعض الأدباء والنقاد، من الذين ربما لم يدخلوا بعد مسرح ما بعد الحداثة. في حين أن الأدباء وكتاب الرواية الذين يناصرون السرد ما بعد الحداثة، سيكون لهم حضور اوسع في فضاء الكتابة الجديدة. 
وفي تقديري أن المؤلف حاول أن يطرح رؤاه النقدية والفكرية، ليكون حافزا لتقبل التحولات المصيرية في حالة الأدب (شكلت بعد الحداثة أحد الممكنات، التي أهلت ثورة سردية، وصارت هناك إتاحة لوجهات النظر من طرح اصطلاحات حساسة احيانا) ص 61 . وبهذا صار لزاما حسب وجهة نظر المؤلف، بان الكتابة المنتجة لإبداع هي التي تفتح أفقا فنيا جديدا، ولا تجعل التغيرات في صياغة مستجدة، فالمتغيرات هي ذاتها واختلاف المعنى يكون باختلاف الجمل والجمل تتداول بشكل دائري ص13. 
إن كتاب الناقد محمد يونس، باعتقادي قد أُلف للأديب والناقد معا باعتباره تناول أهم ما يدور في الساحة الإبداعية من قضايا وإشكالات، ويفسر أهم الظواهر، التي طرأت على الكتابة الأدبية ما بعد الحداثة في تناول موضوعي منح الافكار والمضامين اولوياتها في طرح الثوابت الابداعية، مضافا لها العناصر الاخرى بالطبع. لقد كان النقد وما زال، خطوة دافعة للكتابة على اسس سليمة ووضعها في صميم سياقها الدلالي. ولذا لا يمكن لأي نص مهما كان مثيرا او غيره، لا بدَّ من أن يمر على قلم الناقد بالشرح والتحليل لتبيان مواطن القوة والترهل، او هكذا تعلمنا من النقد المنهجي الممارس على النصوص المنشورة بمختلف أجناسها. إن التحويل من القيمة النصية المبتكرة من الكاتب إلى قيمة فنية نقدية، تتطلب بعض الثوابت والمسلمات النقدية، التي تمنح النص جواز المرور إلى فضاء القراءة والانتشار. 
كتاب "أدب ما بعد الأدب في الفلسفة الموضوعية"، تأليف الناقد العراقي محمد يونس محمد صدر عن دار أمل الجديدة في دمشق عام 2022 وبواقع 108 صفحات.