ثنائيَّة الحياة والموت في {قلب الدُّمْيَة}

ثقافة 2022/07/16
...

 د. علي حسين حمدان
    
ينتصر الإنسان دائما للحياة على الرغم من إحباطاتها والخيبات التي تحاصر أحلامه، ولا سيما عندما تكون الصدمة من إنسان كان بالأمس الأقرب إلى القلب والوجدان، الشعور حالة من حالات الوجد تعتمد بالأساس على علاقة تبادليّة تدفع بالعاطفة إلى أعلى درجاتها وهي الحب، وهنا تنبض الحياة وتزهر ويرى من يعيش هذه الحالة جمال العالم من حوله ويسوده سلام داخلي ينعكس بطبيعة الحال على الما حول، تسامحاً، تضامناً، انسجاماً ومودة. فالحب يعد من محركات الحياة التي تزود الإنسان بالطاقة على العمل والإنتاج وتجاوز الصعاب، إذ لولا الحب لما عُمّرت الأرض، وعلى هذا الأساس من الطرح يضعنا حسين علي هارف في لحظة فارقة، وفي الوقت ذاته مقارنة بين (قلب دمية) صلدة من خشب لا من لحم ودم، و(قلب الإنسان) عبر بوح من ثماني حكايات منفصلة يربطها خط درامي، تشارك فيه الدمية المتلقي بحوار مباشر يثير التفكير والسؤال عما تطرحه وتمرّ به، بعد أن تدبّ فيها الحياة من دون أن تعرف كيف ولماذا؟ وبإرادة من؟ أو ربما لتعرضها إلى تأثيرات الطبيعة (رعد، برق) كما يتضح ذلك من المؤثرات التي ترافق حركتها، إذ تبوح بحبها لمحركها (ماهر) الذي لا يبادلها المشاعر نفسها، فهو يتعامل معها على أنّها دمية لا روح فيها، إذ تشعر بالخيبة والألم والغيرة لا سيما وهي تلاحظ علاقة (ماهر) بما تطلق عليها تسمية (أمي، قابلتي) وهي في حقيقة الأمر مصممتها التي صنعتها، أن الأثر الأهم والنقطة الأساس التي لعب عليها المؤلف هو الصدمة العاطفيّة وكيف التعامل معها ليبرهن على أنَّ قلب الإنسان يمتلك من السعة والتحمّل ما لا يملكه غيره من المخلوقات الأمر الذي دفع بالدمية إلى أن تتخلى عن حياتها بما يتنافى والنواميس الإنسانيّة، وعلى طريقة البطل التراجيدي عند الإغريق، والتحول من السعادة الى الشقاء.  
جاءت الرؤية الإخراجيّة على وفق لوحات تتسق والنسق النصّي الذي تألف من ثماني حكايات، وفي منظر ثابت يتكون من مناطق تمثيل: (سرير في أعلى يمين المسرح عليه دمى)، (طاولة بمرأة في أسفل يمين المسرح)، (وجوه لدمى خارج الخشبة أقصى يمين المسرح) قرب الجمهور، (منصة أعلى وسط المسرح)، (حمالة عليها أقمشة وملابس ملوّنة أعلى يسار المسرح)، (نافذة أسفل يسار المسرح)، إذ حرص هارف على توزيع حركة الدمية مستخدما طريقة العزل بين مناطق التمثيل ليحرك الخشبة ويحولها من حالة الجمود (الاستاتيكية) الى الحركة (ديناميكية) ويعضّد هذه الديناميكية التناغم المنضبط للممثلة السورية إيمان عمر التي قادت الدمية تحريكاً وصوتاً معبراً وبإحساس عال وشاعرية دقيقة في توصيل المعنى، فضلاً عن الانتقالات الموسيقيّة التي رافقت أحداث العرض أسهمت في تدفق الشحنة الدراميّة واكتمال الصورة المشهديّة، نبارك الجهود المخلصة والنبيلة التي أسهمت في إنتاج العرض المسرحي متمثلة بنقابة الفنانين العراقيين ونقابة الفنانين السوريين ودائرة السينما
والمسرح.