الكتب الصوتيَّة.. تغيير مجرى التلقي

ثقافة 2022/07/16
...

 محمد الباقر
لاقت الكتب الأدبيّة المسجلة صوتياً إقبالا واسعاً من جمهور كبير من المتلقين، وتفاعل معها كثير من القرّاء في الفترة الأخيرة، ويمكن بكل بساطة ملاحظة ذلك من خلال عدد التنزيلات التي تؤشر مع حيثيات الكتاب المبثوث.. ومع توفر الوسائل الالكترونية الحديثة، باتت هذه العملية مرغوبة بشكل أكبر نظراً لإمكانية الاستماع إلى الكتب من خلال أي جهاز كان.
 
 وفي الوقت ذاته يمكن إتمام الأعمال الخاصة بك التي قد تحرمك من الاستمتاع بالكتب التي تود قراءتها، فضلاً عن أن هذه الكتب تعطي فرصة لمن لا يمتلك مهارة القراءة أو ضعف البصر للاطلاع على أمّات الكتب والمصادر من دون ملل ولا تعقيد.  
 
هوس السرعة
تعتقد ورقاء معلة، صاحبة قناة المكتبة الصوتية العراقية، أنّ الملخص لا يغني عن قراءة الكتاب أبدًا، لكن ظروف عصرنا الحالي السريعة جعلت هناك صعوبات في ايجاد الوقت الكافي لقراءة الكتب بشكل كامل. 
 وتقول ورقاء: إنّنا “كجيل نعاني من هوس السرعة لذلك أنا وغيري من صنّاع المحتوى، نحاول أن نقدم المعلومة بأقل وقت ممكن، فالمُوجز يعطي الفكرة المختصرة للكتاب بوقت قليل، ممّا قد يشجع القارئ للدخول في تفاصيل العمل وتعمق بما يحتوي من أحداث أخرى”.وتتابع ورقاء حديثها حول دخولها إلى هذا المجال، لقد “أنشأت قناتي على اليوتيوب، بعد أن بدأت بقراءة عدد من المؤلفات لكتاب عراقيين، فلاحظت أن الكثير من أبناء جيلي من الشباب والفتيات لا يقرؤون لهم.. إنما يتم البحث عن الكتب العربية والأجنبية. وبعد الاطلاع على الأدب والثقافة العراقية اكتشفت وجود كُتاب مميزين وأدباء لديهم أفكار جميلة يجب التشجيع على قراءتها بطريقة أو بأخرى”. 
 
سحر التقانة الحديثة
أما الشاعر عبد السلام محمد، فيرى أنه لا يحلّ شيء محلّ شيءٍ آخر بمفهوم الإلغاء، ولكن الحالة هنا، انتقالة تقنيّة فرضتها معطيات الزّمن، والعولمة، وخدمة تقدمها لنا الحضارة. 
ويقول عبد السلام: في رأيي سوف تتسع هذه التقنيّة بصورة أكبر؛ لأنّ أساس كلّ كتاب، فكرة، والكاتب يظلّ ينسج كلماته حول هذه الفكرة، فمن الممكن أن نسمع هذه الفكرة، قبل قراءتها مثلاً. 
ويضيف: أعتبر شخصيا؛ أن هذهِ التقنيّة، استثمار الوقت، ففي الطريق، يكون الوقت ربّما للاستهلاك كأن تستمع لأغنيةٍ مثلاً، بينما اليوم صار بإمكانك أن تقود عجلتك، وتستمع إلى كتاب.!
 ويشير إلى أنه ليس غريباً أن تبلغ مبيعات الكتب الصوتيّة في أميركا عام 2019 أكثر من مليار دولار وهو رقم هائل، ومن مزية هذه التقنية أنّها تحمل معها عامل الترويج وهذا عامل يساعد في اتساع القراءة وجذب القرّاء، ولا يمكن أبداً التخلّي عن الكتاب، بقدر ما ستسهم هذه الحالة في تدفق أعداد أكثر نحو الكتاب الورقي الذي سيأتيه القارئ وهو يحمل شغفه وأشواقه نتيجةً لكونه قد استمع في الطريق أو في أيّ مكانٍ آخرٍ لكتابٍ صوتيّ أعطاه ملامح كتاب معيّن، فأحبّ أن يكمل اللوحة.
 
جذب الجمهور للقراءة 
ويؤكد صانع المحتوى سجاد الزيدي، أن هدفه جذب الجمهور للقراءة عن طريق تقديم مراجعات للكتب بعد الانتهاء من قراءتها، بطريقة سلسة ومبسطة، وتحدث الزيدي عن عمله قائلاً: أقوم بمراجعة الكتب عن طريق طرح الأفكار التي يتبناها الكاتب وإبداء رأيي الشخصي فيه وليس تلخيصه الذي لا ينبغي فيه إبداء الرأي الشخصي “وفقًا لأصول التلخيص”، وهو ما يميز المراجعة عن التلخيص، من دون حرق للأحداث والتفاصيل الأخرى.
ويضيف الزيدي: ومع ذلك فهذا لا يغني عن قراءة الكتاب ذاته، إنما غايتي هي بث الوعي والرغبة بتغيير الفكر الجمعي إلى فكر واعٍ قادر على مواجهة معترك الحياة بأساليب حضارية وإنسانية، ومحاولة لإرساء أسس التفكير الناقد والعلمي لدى الأجيال من خلال القراءة كونها الوسيلة لخلق الانسان الجديد والمعاصر والمتنور بنور المعرفة والمنطق فهي السبيل الوحيد لرُقي الأمم.
 
تَحسين المزاج
تعد الكاتبة ملاذ ليث فؤاد، انتشار الكتب المسموعة أمراً جيداً، يساعد الكثير على الاطلاع وإغناء السامع بالمفردات أو المعلومات التي يود معرفتها. وتؤكد ملاذ أن الكتاب الصوتي يساعد على أن يكون اللفظ صحيحا، وأن سماع القصص تجعل الشخص يفهم العالم الذي يعيش به عن طريق مغزى القصة أو حكمتها ولربما ما يحدث بتفاصيلها من الأسباب الأخرى التي تُفسّر الجاذبية التي تحظى بها الكتب الصوتيّة هو أنَّها تستطيع أن تُحسّن المزاج، إذ إنَّ أولئك المُعرّضين للقلق والاكتئاب يعرفون من واقع تجاربهم المريرة دوامة الأفكار السلبيَّة التي ترافق هذه الحالات الذهنيَّة. لكنَّ الصوت يستطيع أن ينجز لك هذه المهمة، إذ بالنسبة إلى الذين يجدون صعوبةً في إسكات الأفكار السلبيَّة التي تدور في رؤوسهم يمكن أن يكون الإنصات إلى شخصٍ يقرأ بصوتٍ مرتفع مفيدا في جعل أمورٍ أخرى تحل محل الأفكار السلبيّة”.
وتضيف ملاذ “برأيي الشخصي أن الكتب الورقية أفضل بكثير من الإلكترونية أو المسموعة فالقراءة في الكتاب المطبوع هو امتزاج القارئ مع الكتاب وفهم وإدراك كل ما هو موجود عندما يقترب الطلاب من مرحلة الدراسة الأكاديمية في الجامعات من المفترض أن يركزوا بشكل كبير عند القراءة لكتبهم، وأن يتعلموا منها. وهناك دراسات تم إجراؤها تشير إلى أنه على الرغم من أنك قد تتذكر بعض الحقائق والشخصيات في القصة التي تقرؤها سواء كانت مطبوعة أو ورقميَّة، لكنّك إذا سُئلت عن حدث معين فأنت تتذكر بشكل أفضل عندما تقرؤها مطبوعة. وربما يتعلق ذلك الإحساس الملموس بالقدرة تحديد الجمال
ماديًّا.