المقولات الجاهزة والتأثير السلبي

ثقافة 2022/07/20
...

 علي لفته سعيد
 
يضع بعض الكتاب أو النقاد أو من يمتهن الكتابة الفكرية، آراءً سبق أن قيلت وأصبح عليها الكثير من النقاش والجدل، ليس لإعادة الفائدة والاستفادة منها، بل لعدّها شيئًا مسلّمًا به وأصبحت مثل مصطلحٍ نقدي أو مقولةٍ شائعة، على الرغم من أن هناك آراءً في المقابل هي بالضد منها، من دون أن يكلّف نفسه عناء البحث هو يعيد قولها وكتابتها ليطلّع على حيثيات القول، كونه تسلم هذه الآراء التي طرحها ناقد أو كاتب قبله، لتكون في رحى التدوير، من دون أن يميط اللثام عن هدفيتها وغايتها وقصديتها وصدقها. 
ولو أعددنا هذه الآراء والأفكار، لاحتجنا الى كتابٍ، لكننا سنذكر البعض منها، مثل: 
- إنَّ الرواية العراقية أو الأدب العراقي لم يتغيّر، وأنه يشكو الترهّل، وأن الرواية ليست فيها فكرةٌ جديدةٌ أو تطوّر، وأنها تدور في رحى الأفكار المتشابهة والمكرورة.
- إنَّ الرواية العراقية لم تتناول موضوعة الاحتلال أو داعش أو النزوح أو السجون أو.. لأنَّ الأديب العراقي لا يمتلك القدرة على استحصال المعلومة، وأنه لا يتمتّع بمخيلة كبيرة.
- إنَّ قصيدة النثر لم تعد حاملة لإبداعها لأنّها أصبحت لمن هبّ ودبّ والجميع صار يكتبها.
- إنَّ كتّاب قصيدة النثر ليست لديهم القدرة على كتابة قصيدة العمود، ولهذا هناك خلخلة في بنائه الشعري.
- إنَّ أدب الخارج أكثر حرية من أدب الداخل، وأنه استفادة من تقنيات الخارج، في حين ظلّ أدب الداخل يراوح في مكانه أو أنه تراجع مثلما تراجع الواقع السياسي.
- إنَّ أديب الداخل لم يستثمر فرصة معايشته للواقع لينتج نصوصًا جديدةً تقابل التطوّرات التي حدثت في الواقع العراقي ولذلك هو أسير ماضيه.
- إنَّ أديب الخارج فقد البوصلة بين الواقع العراقي وبين الواقع الذي يعيش فيه، فتحول المكان الى ذاكرة لا تصل الى مرحلة الإبداع. 
- إنَّ النصّ العراقي يخلو من الدهشة وليس فيه خبرة الكتابة، وأن ما صدر منها لا يمثل هوية الأدب العراقي.
- إنَّ النص العراقي فيه الكم أكثر من النوع، والسبب كثرة دور النشر التي لا تراقب أو تصحّح أو تقرأ المخطوطات قبل الطباعة، لأنَّ همّها الربح.
- إنَّ أكثر من 1000 رواية صدرت ليس فيها رواية عراقيَّة تناقش بحرفية الواقع العراقي. وأنها عبارة عن هذيانات وسرقات وتدور في فلك واحد.
- إنَّ مشكلة الأديب العراقي أنه لا يطلّع على تقنيات الكتابة الأدبية التي انتشرت في العالم، وظل متقوقعًا على طرق بدائيَّة في الكتابة، وإن أراد التجريب فهو لا فهم كيف يبدأ أو ينتهي.
- إنَّ النقد العراقي أصبح في فوضى، لأن هناك دخلاء عليه، لا يفهمون من النقد شيئا، وليس لديهم خبرة منهجية أو علمية أو شهادة أكاديمية.
- إنَّ النقد العراقي صار بطريقة أكتب لي واكتب لك، وفيه إخوانيات بسبب الدخلاء وغير الأكاديميين.
- إنَّ النقد العراقي لم يواكب الإصدارات الجديدة والتطورات المنهجيَّة، وظلّ أسير أسماءٍ معينة، مثلما ظلّ أسير طروحات ماضية. 
- إنَّ النقد العراقي قاصرٌ على  ملاحقة الانتاج الوفير لأنّه قاصرٌ مع نفسه.
- إنَّ النقد العراقي لم يتمكّن من وضع منهجيَّة خاصة أو الوصول الى حالة ينفرد بها أمام المتغيّرات التي شهدها العراق وشهدتها الحالة الأدبية في الإصدارات العديدة، وظلّ قاصراً في المتابعة أيضاً.
إنَّ بالإمكان وضع العديد من النقاط والشواهد لكتّابٍ ونقاد، هم مشاركون في صناعة الأدب العراقي، سواء من كان منهم في الداخل أو الخارج، ويطالبون الآخرين من دون أن يفكّروا أنّهم جزء من هذه المطالبة، لأنّهم يعتقدون أنّهم غير مشمولين بهذه (النواقص) وقد وصلوا إلى مرحلة الاكتمال والتكامل، وأنه لا غبار عليهم وعلى إنتاجهم، متناسين أن الآراء التي تطرح هي نسبية وأن من غير المعقول متابعة أي منهم كلّ ما يصدر ليطرح ويصدر أحكامه القاطعة، أو أنه يستعين بأقوال آخرين لإسناد قوله، وكأنّه وقع على كنزٍ من الآراء التي تغْني الساحة الثقافيّة، متناسين أن الكتابة حقّ للجميع، فمن كان مبدعًا كان أهلًا للبقاء في هذه الساحة، ومن كان دخيلًا فإنه سرعان ما ينهار مثل الذي ينفذ نحتا يريده عاليا، لكنه تناسى أنه كلما ارتفع انهار لأنّه منحوت من
رمل.
إنَّ الأمر بحاجةٍ الى مرجعة الأقوال قبل التصديق بها والإيمان القطعي، لأن هذا يجعل كاتبها أيضا بلا عقلٍ متفتّح وبلا مخيلة، وأنه قاصرٌ عن إنتاج شيء مهم، وأنه إذا ما أعاد مقولة تستهدف التسقيط أو التهميش أو الإنكار لهذا الطرف أو ذاك، فإنّه مسهم في الخراب أيضا، لأن هناك مقولات تستهدف البنى التحتية الثقافية وتحاول وضع الأسفين.. وكما قلت مرّة في مقال نشر في الصباح، إن الكثير لا ينظر الى البستان الكبير المزروع بكلّ أنواع الخضرة المثمرة، بل يقابل سلّة المهملات ويناقش وجودها، متناسيًا أن هذه السلّة موجودة في كلّ بستانٍ
وحديقة.