ارتقاء الاستجابة الجماليَّة في عروض مسرح الطفل

ثقافة 2022/07/22
...

  د. محمد اسماعيل الطائي
 
ضمن فعاليات مهرجان الحسيني الصغير الدولي السادس لمسرح الطفل، والذي أقيم في  مدينة كربلاء المقدسة، قدمت العتبة الحسينية بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة/ جامعة الموصل مسرحية (هدايا العيد) تأليف علي جابر الطائي وإخراج مؤيد محمد اسماعيل وتمثيل (عمر كنعان، ميلاد جلال، علي فوزي، تمارا منتظر، مؤيد محمد) تدور حكاية المسرحية حول مجموعة من الخريجين العاطلين عن العمل، يضطرون للعمل في (مصنع للدمى) يملكه شخص جشع وبخيل، لا يدفع للعاملين أجورهم ويؤخرها، ويقتطع منها باستمرار؛ مما يدفعهم لترك العمل ومغادرة المصنع، للبحث عن عمل آخر بعد أن تعرفوا على ابنة صاحب المصنع، التي تلعب معهم وتشاركهم في تقليد أصوات وحركات الحيوانات، ومن ثم تمثّلُ معهم شخصية (سندريلا) في الفصل الثاني عندما غادروا المصنع؛ لكن صاحب المصنع يخطف سندريلا  من دون أن يعلم بأنّها ابنته. 
 تمكن المؤلف علي جابر من صياغة نص سلس ومتماسك، في بنيته الدرامية والفنية، وعمل على  شدّ المتلقي (الصغير والكبير) وأثث المخرج فضاء عرضه، بمجاميع من الدمى بمختلف الأشكال والأحجام، عُلقت في عمق المسرح، وتحتها مصطبة لصناعة الدمى، كذلك وضع مجموعة من الدمى على يسار ويمين المسرح، عُلقت بواسطة خيوط؛ ليحيل الفضاء الخشبي للمسرح برمته، إلى مصنع للدمى تتحرك في فضائه ثلاث شخصيات إنسانيَّة، لقد تضافرت عناصر العرض السمعيَّة، والبصريَّة، والحركيَّة، في تحقيق استجابة جماليَّة من قِبل الأطفال الذين شدهم العرض بمستوياته كافة، نصّاً، وإخراجاً، وتقنيات، ففاعليَّة الاستجابة في هذا العرض، ارتقت إلى مستوى المشاركة الايجابيَّة عبر الطرق الاتصاليَّة المتعددة التي حققها العرض مثل (الإجابة عن الأسئلة التي طرحها الممثلون، في أثناء العرض، وتنبيه الممثلين عند اختطاف سندريلا، ومشاركتهم في الرقص والغناء وصعودهم إلى خشية المسرح والمشاركة، في تحية الجمهور وتلقيهم الهدايا، التي قدمها الممثلون لجمهور الأطفال في نهاية العرض) وبوساطة هذا المشاركة التفاعليَّة الجماليَّة، بين المتلقي والمرسل، تم ضبط عملية الاستجابة عن طريق ما يصل إلى المصدر، من معلومات وردود أفعال مرسلة من المتلقي، حول نجاح العرض أو إخفاقه، وهذا يمهّد لضبط العروض المقبلة. لقد صمّمت بعض الرقصات التعبيريَّة في بداية ووسط ونهاية العرض، واستطاع الممثلون الثلاثة من أدائها بحرفيَّة عالية، حوّلت المتلقي إلى (مشارك تفاعلي) وهو في مقعده ومجاله الفرجويّ، وهذا بسبب من  طبيعة وجمال الحركة واتساقها وانسيابيتها، وكذلك في ما يخص الأغاني التي رافقت العرض التي تم اختيارها، بما ينسجم مع فكرة ومضمون المسرحيَّة، لقد أبدع الممثلون في أداء شخصياتهم وتجسيدهم، لمختلف الأدوار سواء في تقليدهم للحركات والأصوات، وإعاده تمثيل مقاطع من مسرحيَّة (سندريلا) بمشاركة ابنة صاحب المصنع؛ لأنَّ الشباب هم خريجو قسم المسرح: ولم يجدوا عملاً لهم سوى مصنع الدمى، فأعادوا تمثيل بعض المشاهد التي قدموها في أثناء دراستهم لفن المسرح، لقد أدى  تكامل العرض وحيويته، وغناه السمعي والبصري والحركي، إلى توليد استجابة الطفل المتلقي للعرض وتفاعله وانسجامه، وهذه الاستجابة البريئة العفويَّة، وحدت في ثقة كبيرة، بين الواقع وبين ما يراه في العرض المسرحي، وتحولت تلك الاستجابة إلى مجال وحيز الفهم المتعاطف، أي الادراك الفكري للموقف المعروض، وعند ملاحظة الأطفال للآخرين في مواقف محبطة مثيرة لليأس، ومشاهدة كيفية تغلبهم عليها وخروجهم منها، يمنحهم فرصة لمراجعة استجاباتهم الانفعاليَّة، وستراتيجيات سلوكهم الخاصة، إن هذا الوصف ينطبق تماماً على أحداث (هدايا العيد) والمواقف المثيرة التي تضمنتها (مثل ترك العمل، ومواجهة صاحب المصنع، واختفاء سندريلا، وتحول الأخير إلى شخصية ايجابية خيرة ومتسامحة، أعادت رواتب العمال وأسهمت في توزيع (الهدايا) دمى المصنع للأطفال). 
لقد حقق عرض (هدايا العيد) نجاحاً جماليّاً واضحاً، وقدرة على التأثير في المتلقي الصغير والكبير مما جعل النقاد والمختصين، يباركون ويشيدون بجماله وتكامل عناصره، وحسن اختيار المخرج للنص، والممثلين، والتقنيات الأخرى، هذا النجاح دفع العاملين عليه وكلية الفنون الجميلة/ جامعة الموصل أن تعيد تقديمه أكثر من مرة داخل الكلية واستدعاء تلاميذ من (مدارس التأهيل) لمشاهدة العرض، وقد حقق العرض أيضاً، نجاحاً وتفاعلاً جماليا من قبل الأطفال والجمهور، وترتفع استجابة متلقي العرض، إلى استجابة فاعلة، قلَّ نظيرها في عروض مسرحيَّة أخرى عنيت بمسرح الأطفال وممكناته الجماليَّة والتربويَّة.