أوشن فونج: القصيدة شجرة والكتاب صورة فوتوغرافيَّة لها

ثقافة 2022/07/22
...

 ترجمة: محمد تركي النصار
أوشن فونج شاعر أميركي، فيتنامي وكاتب روائي من مواليد 1988 حصل على جوائز عديدة من بينها جائزة إليوت 
الشعريَّة، نشرت روايته الأولى (على الأرض نحن رائعون بإيجاز) عام 2019، ويعد من أبرز شعراء الجيل الجديد 
في الولايات المتحدة الأميركية وتحقق كتبه مبيعات عالية. أجرت المحررة الأدبيَّة لموقع «لت هب» كورين سيغل 
هذا الحوار مع فونج وعمدت إلى جمع إجاباته وتكثيفها على شكل خلاصات تقدم رؤيا عن 
بعض آرائه الشعريَّة.
 
لدى اليابانيين فكرة عن لون القصيدة، ويتحدث باشو مرات عديدة عن ألوان القصائد، ولعل مايعنيه بهذا هو النغم والمزاج ونوع المبادئ الجماليَّة لتلك القصائد، وأعتقد بأنَّه لا يكفي أن تجلس وتكتب، فالأمر يحتاج إلى نوع من احتضان هذه الأفكار وتبنيها، وهذا هو الجزء الأصعب من المهمة: ما هو نوع المزاج وما هو نوع النبرة التي تكتب لخلقهما، وكثير من هذا متعلق بالثيمات التي تعبر عنها، أو الحالة التي تريد أن تعكسها.
  قد يستغرق الأمر أسابيع، أشهراً، سنوات للتطوير، قبل أن تعطي اللغة ثمارها، وللغة سجلها مثل الموسيقى.
إنَّه لأمر مهم بالنسبة لي أن أعرف وأجسد هذه الحالات والألوان قبل أن أجلس لكي أكتب، هذا مايحدث مع القصائد والروايات.. في رواية (على الأرض نحن رائعون بإيجاز) هناك درجات سرعة مختلفة، فثمة فصول تحدث في الزمن الحاضر، وهي سريعة جداً، وهناك فصول بطيئة النبرة جدا، وهذه الأفكار تحتاج للتطوير بمرور الوقت، والطريقة الأفضل هي أن تعيش حياتك وتعتني بعملك روحياً وذهنياً، اهتم به حتى وأنت تقوم ببعض الأعمال في المطبخ أو عندما تأخذ حماماً وعندما تتمشى مع كلبك في الخارج.
أفكر بجون بيرمان وقرأت له حكاية نادرة حول ماقام به عندما كان يكتب مسودته، كان يجري تصحيحات ثم يعمل تحديثات للنسخة الجديدة على الآلة الطابعة ثم يرميها داخل أواني بلاستيكية..
ثم يعيد قراءتها بعد ثلاثة أو أربعة أيام من دون تصحيح، وما يحدث هنا هو أن هناك عدة نسخ محرّرة يفترض أن يقوم بها لكنه لا يفعل ذلك..
هذا الأمر يظهر أن هناك عملاً كثيراً بالإمكان القيام به عندما نتأمّل قصيدة، المسألة أبعد من وضع القلم على الورقة بشكل دائم لتقديم شيء لمجرد الإحساس بالرغبة في الإنتاج.
كثير من الإبداع في الحقيقة هو عبارة عن تفكير، وبالنسبة لي أن أترك قصيدة لي أو قصيدة أقرأها من دون أن أتلاعب بها بوصفها جزءا من مسودة العمل هو أمر ينطوي على قوة كبيرة، إنك تتوصل إلى حقيقة أن ما ميزته في اليوم الأول ستنساه بعد ثلاثة أيام، لكن هناك شيئاً آخر، هذا الشيء الأكبر المتخفي ينبثق لتقول: يا إلهي، لو كتبت مسودة أخرى مباشرة لضاع مني كل شيء.
ثمة حاجة ملحة لتحقيق اكتمال مستحيل، لو يتوفر لي أن أعمل مع كل كتاب كتبته، كل صفحة، ستكون النتائج مختلفة، الفوارز ستتغير مواقعها، والكلمات أيضا، إنه فعل ينطوي على جمال في حقيقة الأمر، وهذا شيء جيد، إنه يذكرنا بأن الشاعر والقصيدة ما يزالان ينموان، القصيدة مثل الشجرة والكتاب هو صورة فوتوغرافية للشجرة، تلتقط صورة للشجرة، وفي اليوم التالي، تنمو للشجرة خلايا جديدة، وفي السنة المقبلة تكون لها أغصان.
علينا أن نؤمن بحقيقة أن الكتاب هو في الحقيقة مجرد صورة في ألبوم، وبأن اللون البرتقالي للحياة بجانبها النفسي وعلاقته بالقصيدة صار ينمو في مكان آخر، مكان في داخلك، وأنت تحاول أن نستخلص منه جواباً، وتعبر عنه بدقة.
ربما لهذا السبب كتب والت ويتمان نسخاً عديدة لديوانه (أوراق العشب) وعلى ما يبدو فإنّه كان يقول لنفسه دائماً: عليَّ أن أقوم بتحديث عملي باستمرار، وفي ما يخصني أنا أيضا أحدّث عملي، لكن عملية النشر في القرن الواحد والعشرين تجعل من هذا أمراً صعباً، فهناك مقيدات في العالم المادي، ويجب أن أتعايش مع هذا، قائلاً لنفسي: حسناً، ربما عليَّ أن أخذ صورة أخرى لهذه الشجرة في كتاب آخر، ولعل أفضل طريقة للتنقيح هي أن تخلق عملاً جديداً. 
يوما ما سأحب أوشن فونج
لا تكن خائفا يا أوشن
ما تزال الطريق بعيدة 
إنّها خلفنا من قبل
لا تقلق. أبوك هو مجرد أبوك
حتى يصاب أحدكما بالنسيان.
مثلما يصعب على العمود الفقري 
تذكر أجنحته
بغض النظر عن عدد المرات 
التي قبلت فيها ركبنا الرصيف.
أوشن؟ هل تسمعني؟
الجزء الأجمل من جسدك 
هو حيث يسقط ظل أمك
ها هو البيت حيث اختزلت الطفولة فيه إلى سلك لغم قابل للانفجار.
لا تقلق، سمه أفقا وسوف لا تصل إليه أبداً.
ها هو اليوم، اقفز 
أعدك بأنّه ليس قارب حياة 
ها هو الرجل 
الذي ذراعاه واسعتان
بما يكفي لأن يجمع رحيلك.
وها هي اللحظة، مباشرة بعد انطفاء الأضواء حيث
يبقى بإمكانك أن ترى المصباح الخافت بين ساقيه 
كيف تستعمله مرة تلو أخرى 
لتعثر على يديك
فرصة ثانية ما طلبته
وقد منحت فما ليفرغ
 لا تكن خائفاً، أزيز الرصاص ليس سوى صوت الناس
الذين يحاولون أن يعيشوا 
حياة أطول قليلاً
لكنّهم يفشلون
أوشن يا أوشن
انهض، الجزء الأجمل من جسدك 
هو حيث يتجه، وتذكر 
الوحدة تبقى وقتا نمضيه مع العالم 
فها هي الغرفة ممتلئة بالجميع
وأصدقاؤك الموتى 
يمرون مثل ريح في مدخنة
ها هي المنضدة ذات السائق العرجاء
وهي تستند الى طابوقة
نعم، ها هي الغرفة الدافئة جداً 
والقريبة للدم
أقسم بأنَّك ستستيقظ
شاعرا بأنَّ هذه الجدران
هي جلدك.