في انتظار التسويق والمشاركة .. الدراما العراقيَّة والحضور العربي (الملحق الثقافي)

ثقافة 2022/07/23
...

د. عواطف نعيم 
كاتبة ومخرجة مسرحية
ما زال الحديث عن الدراما العراقيَّة يخلف تساؤلات موجعة حين تتم مناقشته والتحاور لأجله ويضع المتحدثين في حيرة من أمرهم ويفتح  أمام أنظارهم هوة واسعة وينبئ بوجود فجوات مخيفة  وحتى بوجود لجان لدعم الدراما تمت إقامتها على وفق خطط ومقترحات  لمختصين وخبراء وأصحاب شركات وفنانين لكنها لم تستطع أنْ تنهض بمهماتها، لا سيما أنَّ حركة الدراما في العراق متعثرة ومتذبذبة وخاضعة لأمزجة وأجندات  تابعة للعديد من الفضائيات التي تهتم  (بالكم) من الإنتاج الدرامي وتقديم البرامج الدراميَّة المنوعة منها والاجتماعيَّة والتي قد تتنوع ما بين الانيميشن والعادي، وتسعى أيضاً الى تقديم مسلسلات تمتد الى ثلاثين أو أكثر من الساعات التلفازيَّة والتي هي الأخرى تتوزع ما بين التأريخي أو المعاصر أو الفنتازي والشعبي  والتي تلجأ الى تقديم مسلسلات تركية  وبرازيلية مدبلجة بأصوات  ضعيفة وغير مدربة ولا تمتلك القدرة على الأداء الجيد والمقبول.
ومع اقتراب كل موسم رمضاني تبدأ حركة متحمسة وعاجلة لإنتاج أعمالٍ دراميَّة حسب الطلب  وحسب التوجهات التي تفرضها القناة المنتجة، وربما وهذا يحدث كثيراً، إذ تكون تلك الأعمال الدراميَّة في أغلبها كوميديَّة تسعى للمتعة دونما هدف وتكون استنساخاً لما سبق وتم تقديمه في مواسم رمضانية سابقة قد يتغير الشكل وطريقة التقديم لكنَّ الأشخاص هم ذاتهم وما سوف يقدمونه معروف ومعلوم ومتوقع.
وقد خلق هذا الإنتاج الدرامي نجوماً ومتخصصين في هكذا نمط والقنوات الفضائية التي تقدم تلك النتاجات تكرس هؤلاء نجوماً، ما يجعلهم يظنون أنهم يمثلون القمة والفرادة في الأداء ويتعاملون مع الآخرين بتعالٍ ويتبخترون وكأنهم يقولون إنَّ لا أحد بعدنا ولا قبلنا، لكنهم لا يتورعون عن تقديم الإعلانات أياً كان نوعها مقابل الربح المادي!
وترى المخرجين والمنتجين يتهافتون خلف هؤلاء غافلين التعامل مع فنانين قديرين ومتميزين حقيقيين دونما افتعال أو مغالاة  ارتضوا أنْ يلزموا بيوتهم دون التفريط بتأريخهم ومكانتهم والانجرار وراء النتاجات الهزيلة والمفروضة على المتلقي العراقي.
وكما هو متوقع في كل موسم رمضاني في العراق سنرى ذات الوجوه وذات  الأداءات  المقلدة والمكررة والمفتعلة تنهمر علينا في أكثر من عمل ومع أكثر من قناة، وحين نتساءل: هل خضعت هذه الأعمال للتقييم والاختبار قبل إطلالتها على الجمهور ليس من نافذة الرقابة الأمنية، بل من نافذة الرقابة الأخلاقيَّة والجماليَّة والاجتماعيَّة؟ اذ لايمكن أنْ يكون التسفيه والتهريج كوميديا تبث روح المتعة والطرافة والبسمة، لكننا لن نجد إجابة عن كثيرٍ من التساؤلات التي تدور في الذهن، فالأمر محسومٌ بالنسبة لتوزيع الأعمال والمشاركات وطبيعة النصوص والمساهمات. ومما يلفت النظر أيضاً في تلك المواسم التي تنشط فيها الدراما ثم تغفو أنَّ هناك أسماءً معينة تتولى أمور الإنتاج والمشاركة وهي في ذات الوقت لها القدح المعلى في أنْ تكون جزءاً مهماً ورئيساً في تلك الأعمال على مستوى الأداء، وتتفاجأ بزج عددٍ من الأسماء الإعلاميَّة والفاعلين على مواقع السوشيال ميديا في الحضور والمشاركة المهمة في تلك الأعمال الدراميَّة. وهذا ليس عيباً وهو موجودٌ في العديد من النتاجات الدراميَّة العربيَّة والعالميَّة، فكثيراً ما تحولت عارضات الأزياء الى فن التمثيل وتحولت إعلاميات لامعات الى ممثلات نافسن على جوائز عالميَّة، لكنَّ الفرق هو أنَّ هؤلاء تمَّ تأهيلهنَّ من خلال التدريب والورش ليكنَّ قادرات على المشاركة والنجاح في ما نسب إليهنَّ من أدوار ولم يتم الاعتماد على الشكل الجميل والأزياء المثيرة والمكياج المبالغ به  والشهرة حين تقديمهنَّ في تلك الأدوار.
تبقى مشكلة الدراما في العراق أنها لا تخضع الى دراسة وتخطيط مسبق في ما يتم اختياره من نصوص درامية سواء الشعبيَّة منها أو الاجتماعيَّة  أو الكوميديَّة، كما لا يتم التهيؤ للموسم الرمضاني بعد انتهائه بل ترى الجميع وهم يتراكضون بين مواقع التصوير قبل بدء الموسم الرمضاني بأشهر قليلة وأحياناً تتضارب مواعيد التصوير لدى البعض لأنه ارتبط بأكثر من عمل وتكون المشكلة كبيرة حين تكون أماكن التصوير متباعدة ما بين بغداد وأربيل أو بغداد وبيروت أو بين بغداد والبصرة  أو الموصل أو تركيا. لذا تبدو هنا عدم وجود العدالة في منح الفرص للعديد من الشباب الموهوب أو منحهم فرصاً لا توازي قدراتهم ومواهبهم وطموحهم ويجبرون على قبولها مضطرين  وحتى أن ما يدفع لهم من أجور لا يتناسب مع قدراتهم وعطائهم  والتزامهم.
في الدراما العراقيَّة يبدو للناظر المدقق أنَّ هناك نوعاً من الاستحواذ والترصد والتسيّد في الربح والمشاركة والإنتاج بين كبار يقودون اللعبة الدراميَّة وبين منفذين مستفيدين ومتواجدين في كل الأوقات قد يهمسون وقد يمررون قصاصات ورق وقد يضغطون على أزرار موبايل وقد ينظمون سهرات وتجمعات كي يتحكموا بقوائم الاختيار وتحديد الأجور وتوزيع المنافع بعلم ودراية مسؤولي تلك القنوات الذين لهم حصتهم من تلك الميزانيات المرصودة لتلك الأعمال المنتجة، وما يصل الى الفنان العراقي المشارك الذي يتحمل كل الظروف الصعبة والمشقة في العمل هو البخس والقليل الذي لا يتناسب وما يبذل من جهد.
ولا تجد حضوراً حقيقياً وفاعلاً لدور نقابة الفنانين في تلك العمليَّة المهمة والحياتيَّة للفنان العراقي ويقتصر أمرها على تحصيل رسوم المشاركة من عقود الفنانين التي هي في الحقيقة مسؤوليَّة المنتج الذي لا يمنح الفنان أجره الحقيقي الذي يليق به، وليس هناك من يحاسب أو يطالب أو يسأل حول هذه الأمور وكيف تتم ومن وضع تلك اللوائح ومن وافق عليها، ولماذا تتكرر هذه الأسماء في كل المواسم وتغيب أسماءٌ أخرى؟ ولأنَّ الحديث عن الدراما العراقيَّة يتطلب موقفاً واضحاً وأسئلة صريحة ومسؤولة لزاماً على الفنانين والمعنيين أنْ يكون لهم موقفٌ واضحٌ.