دعوة لرفع المستوى.. الشعب أيضاً!

ثقافة 2022/07/24
...

 ياسين طه حافظ
منذ سنين، أشهد وأسمع مبادرات خيرة من أشخاص ذوي قلوب طيبة أو ذوي وفاء أو ذوي تظاهر بأنهم يهتمون بسواهم ويبادرون إلى العون، وما داموا غير قادرين على عون مادي فليكونوا وسطاء له، وهذا ما يحصل عادة حين يمرض أديب أو فنان ومفكر (أحياناً)، فترى أصدقاء له شخصيين أو أصدقاء في المهنة أو في الجيرة والمقهى..إلخ، الأمكنة والظروف التي تنمو فيها صداقات أو تعارف، يبادر هؤلاء بدعوة وزير الثقافة (غالباً) أو رئيس الوزراء للتعجل بإنقاذ صاحبهم أو زميلهم أو... كيف؟ بمساعدته على العلاج – وغالبا ما يكون المضمون بإرساله خارج البلاد..؟، أو أي عون آخر ممكن حتى وصل الأمر لتوفير الدواء لمريض، أستاذ أو أديب أو شاعر..
أولاً... نحييها مبادرات خيرة. ثانياً نقدر تكافلهم العاطفي. ثالثاً.. لنا ملاحظات على المسألة من أساسها!.
أولى الملاحظات أنّهم يتعاطفون مع أستاذ، مثلا، له مرتب، لا نقول عالٍ كافٍ، ولكننا نقول أكثر من دخل سائق التاكسي وقاطع التذاكر، وعامل البناء يعمل أسبوعين وقد يتوقف أكثر من أسبوع، فإذا تعرض لسقطة سببت كسراً أو عوقاً، ظل مرمياً في بيته، فلا ضمان اجتماعيا يسنده، وغالباً ما يكون الناس القريبون منه بمثل مستوى عيشه.
ثم هل نحن ناس مزدوجون أم ناس ضعاف سهل علينا التنازل واسترضاء دولة نراها سبباً في تهالك المؤسسات الصحيَّة؟ وكيف تناشدون أفراد حكومات تشتمونها ليل نهار، فإذا مرض أحدكم راح يصفها بالكرم والمبادرات النبيلة وعدم التقصير في الإسعاف العاجل والعون؟ نسيتم أنكم تشتمون هذه الدولة أو هذه الحكومة التي تستجدون الآن
كرمها؟.
ولكن هذا سبب أو تسويغ، فما حاجة المضطر إلّا ركوبها، يبقى السؤال الذي يستوجب الإجابة بعقل وحزم وبلا الطاف: كيف نسعى لمساعدتهم؟.
واجب أخلاقي أن نسعى لإخوتنا، أصدقاء أو زملاء مهنة وفن. ولكن أليس الأهم، أليس المبدئي، أليس شرفاً كاملاً ونقياً، أن تكون الدعوة للآلاف من أبناء شعبنا لطريحي الفراش الذين لا يملكون علاجاً ولا من يدعو لهم بالاهتمام؟ وهل الأديب، وإن كان عبقرياً، وهل الفنان، وهل الصحفي، يستحق أن تبادر الدولة له بالعون والعلاج، وعامل البناء، ومنظف الشارع والفرّاش الذي يسمونه المعين، وعديد الكسبة والبقالون وبائعو الخضار والمعلمون وعديد موظفي الدولة، ألا يستحق هؤلاء رعاية وعوناً؟، وهل من الشرف والمبادئ والأخلاق: أن ندعو لمن نعرفهم أو لمن لنا صلة بهم، ونهمل الآلاف من بؤساء شعبنا، لأننا، وإن كان هذا ليس سبباً، لا نعرفهم؟ ومن قال، وبأي مبدأ أخلاقي أن يستحق صديقنا، أديباً أو فنانا أو أستاذاً، أن يستحق هذا الإنقاذ من الموت وتترك ذاك أو أولئك؟، هل أنت مسؤول عن صديقك أم مسؤول عن شعبك؟، تقول كل له من يدعو له: وهذا هو الخطأ المؤسف والتفكير الذي لا يليق بمثقف!، من لا يملك مرتباً «معقولاً» وليس له من يعينه بالمال أو بالدعوة لإسعافه، هو الأولى بدعوة الشرف والخير هذه، هذا لا قدرة له وليس له من
معين. 
أما أننا نمالي الموت أيضاً؟ أمام الموت لا فرق بين حياة وحياة، الجميع يستحق عونا وعملاً كريماً، ولا فرق بين أديب شاعر أو فنان محترم، وعامل يأكله المرض في كوخ أو بيت بائس. الجميع يحتاجون إلى عون والجميع يحتاجون إلى خيرين دعاة يطلبون له العون والإنقاذ.
ولكي نحقق المسألتين، الفرديَّة الخاصة، من هو صديقنا أو موضوع تقديرنا، ومن لا تعرفهم ولا صلة لنا إلّا الإنسانيّة، بهم فلتكن دعوتنا تليق بنا، بمستوانا الثقافي والفكري، لتكن دعوتنا بدلاً من: تدخلوا لإنقاذ فلان وفلان، لتكن دعوتنا لمؤسسات صحيَّة متطورة متكاملة لعموم الشعب، هذا هو الحل، لا بين أسبوع وآخر نستجدي الدولة للمساعدة في علاج أحد. لا يوجد هكذا سلوك أو هكذا مسار في دول العالم. الناس لهم مستشفيات متكاملة وأخلاق للتعامل متكاملة، والمريض يعالج محتفظاً بكبريائه وكرامته.
إنَّ دعواتنا الفرديَّة، للحالات الفرديَّة، محترمة وعاجلة وشكراً لكم وللبراءة إن وجدت، فهو نداء عاجل لظرف نعرفه، ولكن لكي تكون دعواتنا أكثر جذريَّة، لتكون حلاً، لزِمَ أن ترتفع من التوسّلات والرجاءات إلى المبادئ الصلبة، ذلك يعني أنّها تكتسب صفة أعلى، وستكون دعوات وطنيَّة، دعوات إصلاح، دعوات تجمع بين الخير الآني والخير العام الدائم. أيضاً، إذا شئتم، ستكون عملاً نضالياً! أنا أدعو لرفع مستوى الدعوات إلى ما يتناسب والأدب والثقافة. 
دعوات تتناسب والوعي بحجم المشكلة. عدا هذا ستبقى الحال كما هي، وسنرفع أيدينا كلما مرض واحد منا أو ممن نعرفهم، وسيبقى الشعب بلا أحد، وعند الكلام، سيكون «الأدباء نبض
الوطن ...»!.