لعبة الحوار في السرد

ثقافة 2022/07/24
...

 إبراهيم سبتي
 
يمنح الحوار، الرواية دفعة من التنشيط والحيوية ويسهم في عملية البناء وإرساء الركائز المثبتة للعمل ويدخله في رؤى وأبعاد تكمل الفكرة وإزالة الغموض عنه أحيانا. ويمكن اعتبار الحوار هو المؤثر الأول في تغيير النمطية والرتابة التي ربما يقع فيها السرد الروائي من خلال تسويد الصفحات والاستمرار ببذخ الخيال من دون توقف، مما يولد الملل والسأم والضجر. يعمد الكاتب إلى وضع الحوار على لسان شخوصه لترجمة أحاسيسها وانفعالاتها وبيان مواقفها من الأحداث. ومن ثمّ سيخلق عاملاً مهماً في تقوية البناء الروائي وإخراجه من تأثيرات جموح الكتابة وانفتاح شهية الحكي والروي. 
ثمة حوارات ربما تأتي ضعيفة وهزيلة وركيكة مكتوبة بلغة نحيلة وخائرة القوى، سرعان ما تسقط العمل الروائي برمته في مهاو سحيقة من الإخفاق والفشل. وينظر القارئ إلى الحوار بوصفه أفضل وسيلة لكشف خفايا الأحداث التي تعصف بالسرد وهو يختصر كلاماً كثيراً يتطلبه شرح الأحداث وكشف خفاياها. من هنا نستنتج أن الحوار يكشف أغوار الشخصيات ومعاناتهم ومشاعرهم ومواقفهم أزاء ما يحدث، فضلاً عن أنه يؤدي إلى جرّ العمل الروائي لدائرة الاخفاق التي تحوم حول أي عمل من دون أن يعلم كاتبه الذي قد يهتم في بناء روايته بعناصرها الأخرى تاركاً عنصر الحوار في الصف الثاني من اهتمامه بوصفه أسهل وأقل تكلفة في التفكير. لقد تعوّد القارئ على نوعين من الحوار في الأعمال الروائية حتى تيقن بأن وجودهما صار جزءا من نجاح السرد وهما الحوار الخارجي الداخلي. والخارجي معروف جدا لدى القارئ بوصفه يحدث بين طرفين أو شخصيتين داخل الجسد الروائي. أما الحوار الداخلي فهو الذي يحدث داخل الشخصية أو عندما يتحدث مع نفسه بانثيالات بوقت محدد يسهم في بلوغ المعنى وفك شفرات. إنها محنة لدى بعض الروائيين الذين لا يفرقون بين لغة الحوار ولغة السرد الأخرى فيقعون في النمطيَّة والنسق العام المتشابه. فمثلاً أن البعض يكتب حواراً على لسان شخصية رجل أمي أو امرأة بسيطة وتعيش على هامش الحياة، فيكون كلامها أشبه بكلام أستاذ جامعي أو فيلسوف أو رائد فضاء. أي أن الكاتب هنا لا يعيش دور الشخصية البسيطة فيظل ينفخ في حواره بلغة متصاعدة يحسب أنها ستساعد في بلوغ الجمال والنجاح ولن يكلف لغته بأن ينزل إلى مستوى شخصياته لبلوغ الاقناع والقبول لدى القارئ. أن تعدد الأنماط في الحوار يجب أن يتوزع بحسب اختلاف الوعي والثقافة والفطرة بين شخوص الرواية وأن لا يكون مثل قالب متحجر في جسد السرد. وفي ملاحظة أخرى في بعض الكتابات وجدنا بأن الحوار بين شخصين يأخذ مساحة كبيرة من السرد بل ربما عدة صفحات مما يوقعه حتما في الملل والرتابة لأننا أمام سرد مقروء وليس فيلماً سينمائيا تتداخل فيه الألوان والحركة ولغة الجسد لكي تذهب عنه الضجر والتبرم. 
أعتقد بأن الحوار هو أحد العناصر بالغة الأهمية في العمل الروائي، لأنه يصبّ في صالحه ويعمل على تحريك الجمود الذي قد ينتج جراء إطالة أمد السرد. إنه بلا شك يحقق من دون أن يعلم كاتبه، النجاح أو على الأقل مقبوليّة عمله أن أحسن إدارته وتمكن من ولوج دواخل شخصياته وكشف عن أعماقها التي تظهر في إنسيابيَّة حوارها وتناسبه مع مكانتها في
 الرواية.