أوروبا.. من النهضة إلى عصر المثليَّة ملحق "الصباح" الثقافي

ثقافة 2022/07/27
...

عامر مؤيد 
تعدُّ «المثليَّة» من أكثر القضايا المتداولة في المجتمعات الغربيَّة حالياً وتتقبل الكثير من الآراء المتضاربة، بينما المجتمعات العربيَّة تتعامل بتابويَّة دفينة مع هذه القضيَّة ولا تتطرق إليها بالعلن وتراها من المحرمات القاطعة.
وتبدو «المثليَّة» الآن الشاغل الأساس للمجتمعات الغربيَّة وبالأخص الأوروبين منهم، فقد صار التركيز عليها مضاعفاً عمَّا كان في السابق وكأنَّ لا قضيَّة أهمّ منها حالياً رغم التداعيات الاقتصاديَّة التي تسبب بها فيروس كورونا وكذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
 
نشاطات متزايدة
اليوم وبعد أنْ عادتْ الحياة الى أوروبا من جديد، إثر توقفٍ غزا العالم بأجمعه جراء فيروس كورونا، فإنَّ النشاطات لدعم «المثليَّة» في تزايدٍ كبيرٍ وهناك تركيزٌ على وضع العلم الخاص بهم في كل مكان، فأثناء عبورك الشارع ستجد أماكن الجلوس المنتشرة في الشوارع ملونة بعلمهم، واجهات الكثير من المحال مرسومة بألوانهم، الأعلام الملونة في الساحات الرئيسة وغيرها من الأماكن.
ومواقف المجتمعات من المثليَّة الجنسيَّة، السلوك المثلي، والعلاقات المثليَّة، قد تغيرت عبر الزمن واختلفت من مكانٍ لآخر، إذ بدأ الرفض لها في بادئ الأمر، لكنْ الآن هناك دعمٌ واسعٌ لها في الكثير من البلدان. 
ولم يقتصر دعم «المثليَّة» من قبل بالغي سن الرشد فقط، بل هناك أطفالٌ يرفعون العلم أثناء المسيرات الداعمة لهم وهنا يجب طرح سؤال مهم «هل الأطفال عليهم اتباع أفكار أسرهم؟».
الإجابة عن هذا السؤال معقدة كثيراً، فهذا الجانب موجودٌ في أغلب المجتمعات، فهناك أطفالٌ يُجبرون على رفع علم المثليَّة ولاحقاً قد يتأثرون بذلك ويصبحون «مثليين» وهذا متوقعٌ جداً في السنوات المقبلة، لا سيما مع الاهتمام الغربي الكبير بهذه القضيَّة.
ويشكل هذا الجانب جدلاً كبيراً في الأوساط الأوروبيَّة نفسها، إذ أثارت دروسٌ عن العلاقات الجنسيَّة بين المثليين والمتحولين جنسياً احتجاجات أمام مدارس ابتدائيَّة في مدينة برمنغهام البريطانيَّة لكنَّ مديرة مكتب معايير التعليم وخدمات الأطفال والمهارات في بريطانيا ذكرت أنَّ كل الأطفال يجب أنْ يتعلموا أموراً عن زواج المثليين بغض النظر عن خلفيتهم الدينيَّة.
ورأت سبيلمان أنَّه كان ضرورياً أنْ يتعرف الأطفال على أنَّ ثمة اختلافات في المجتمع، كما كان مُهمًا أنْ يعرف الأطفال أنَّ ثمة «أسراً يقودها ذكر». بينما ذكر وزير التعليم داميان هيندز أنَّ المدارس الابتدائيَّة ينبغي أنْ تكون قادرة على اختيار ما تدرّسه بشأن علاقات المثليين، إذا هي «اعتبرت ذلك مناسباً للفئة العمريَّة المستهدفة».
وبالرغم من الأحاديث المستمرة في المجتمع الغربي عن ضرورة احترام الحريات والتعايش مع الاختلاف، فإنَّ من يرفض هذه الفكرة بسبب اعتقاداته الدينيَّة أو تقبله للأمر فإنَّه قد يواجه مصير الطرد من عمله بشكلٍ كبير.
س. ن مواطن من إحدى الدول العربيَّة يقطن في بلادٍ أوروبيَّة أُجبر على ارتداء أساور تحمل أعلام المثليين في يوم مسيرتهم السنويَّة، إذ قال له صاحب الفندق الذي يعمل به «إذا لم ترتدها فبإمكانك الرحيل». 
ويقول س. ن في حديثه لـ»الصباح»: إنَّ «العمل في أوروبا من الصعوبة الحصول عليه لذلك اضطررت الى لبس هذا السوار رغم أني مع الحريات لكنْ لا أحبذ أنْ أكونَ داعماً للمثليَّة». 
وفي الآونة الأخيرة تدخلت المثليَّة في كثيرٍ من الأمور، منها كرة القدم التي يشترط فيها على قادة فرق الأندية المنافسة في بعض الدوريات المهمَّة ارتداء شارة المثليين في تواريخ محددة من جدول المباريات.
بعض اللاعبين رفضوا ذلك، فأصدرت لهم عقوبات وخيمة ومنهم لاعب باريس سان جيرمان الفرنسي القادم من السنغال، ادريسا جايا الذي تعرض الى حملات كبيرة من الصحف الفرنسيَّة.
وبعد الإعلان عن غياب جايا في لقاء فريقه ضد مونبيليه لأنَّه يرفض ارتداء قميصٍ يحمل علم المثليين، قامت لجنة الأخلاق بالاتحاد الفرنسي، باستدعاء السنغالي، للتحقيق معه في غيابه عن المباراة، كما طالبه المجلس الوطني للأخلاقيات في الاتحاد، بالظهور وهو يرتدي قميصاً لدعم المثليين ومع مرور الأيام تمَّ نسيان القضيَّة أو تجاهلها.
وفي جانب الرياضة أيضاً فإنَّ متوسط ميدان المنتخب الإيطالي والمدرب الحالي غاتوزو واجه مشكلاتٍ كبيرة جراء تصريحه «أنا ضد أنْ يتزوج الرجال».
وذكر غاتوزو «لقد غادرت فيورنتينا وكان الجميع متأكداً أنني سأدرب توتنهام لكنَّ الفريق تخلى عني بسبب الحملة والاتهامات، وسائل التواصل تستطيع تدمير الكثير من الأشخاص، لكنني ذو تحمل كبير وتغلبت عليها، بينما العديد من الصغار لن يتحملوا ذلك وسيؤثر الأمر فيهم طويلًا... لحسن حظي قام رئيس فالنسيا بدعمي رغم كل شيء كان يُقال (الحملة التي ضده من المثليين والنسويَّة) لقد تم وصفي بالعديد من الأشياء السيئة وسأكذب لو قلت إنها لم تؤثر فيَّ، لكنني أتعامل معها بصمتٍ ولا أخرج للرد والدفاع عن نفسي، هذا أنا».
 
دينياً
وليس المجتمع العربي وحده من يرفض المثليَّة بسبب تعاليم الدين الإسلامي أو تقبل ذلك، بل هناك رفضٌ غربيٌّ لمن هم ملتزمون بالدين هناك، فالكتاب المقدس يدين ويأمر بمعاقبة ممارسي المثليَّة الجنسيَّة، ويشير إليهم بشكلٍ سلبي ويعدُّ الممارسة الجنسيَّة المثليَّة خطيئة وفاحشة وإهانة للأنثى، كما ذكر بولس الرسو وفي عدة أماكن في الكتاب المقدس.
بينما تتخذ بعض الطوائف البروتستانتيَّة الأصوليَّة مواقف متطرفة ضد المثليين جنسيًا، وقد فسرت هذه الطوائف مقاطع من العهد القديم على أنه لا بُدَّ من معاقبة المثليين بالموت. ولقد صُور الإيدز من قبل بعض رجال الدين البروتستانت مثل فريد فيلبس وجيري فالويل على أنه عقابٌ من الله ضد المثليين جنسيًا، أما الكنيسة الكاثوليكيَّة فتمنع منح سر الكهنوت للمثليين، ولا تسمح للمثليين من الرجال والنساء دخول سلك الرهبنة.
الثقافات التي تأثرت بالديانات الإبراهيميَّة، مالت قوانينها إلى عدّ الميول أو الممارسات المثليَّة مخالفة للقوانين السماويَّة وجريمة بحق الطبيعة. إلا أنَّ إدانة الجنس الشرجي بين الذكور كان أمراً شائعاً في اليونان القديمة، وعدّه «غير طبيعي» يمكن أنْ يعود بتاريخه إلى أفلاطون.
الكثير من الشخصيات التاريخيَّة توصف بأنها «مثليَّة» أو «مزدوجة الميول»، مثل سقراط، اللورد بايرون، إدوارد الثاني وهادريا، وبعض العلماء مثل ميشيل فوكو يعدُّون ذلك مجازفة، إذ قد يؤدي الأمر لمفارقة تاريخيَّة بسبب افتراض وجود بِنْيَة جنسانيَّة كانت غريبة بالنسبة لهذه المجتمعات في ذاك الوقت ولكنَّ هناك آخرين لا يوافقون هذا الادعاء.
ومع الرافضين للمثليَّة فهناك مؤيدون حتى داخل المجتمع العربي لها، كون اعتقادهم بأنَّها حريَّة شخصيَّة وطالما لم يتم التعدي على أحدٍ بالأذى فهي حقٌ شخصيٌّ لأي كائنٍ بشري.
 
أدبياً
إنَّ أقدم الأعمال الأدبيَّة والفنيَّة الغربيَّة التي تتناول العلاقات المثليَّة مستوحاة من العلاقات المثليَّة الغلمانيَّة في اليونان القديمة في الفترة الكلاسيكيَّة وإنَّ هذه العلاقات كانت تتألف من رجلٍ بالغٍ وشابٍ مراهقٍ. وقد اعتُبرت قيمة لفوائدها التربويَّة وكوسيلة لضبط نمو المجتمع، لكنْ أحياناً كانوا ينسبون الفوضى والاضطرابات إليها. أفلاطون مدح فوائدها في كتاباته الأولى، ولكنْ في كتاباته الأخيرة اقترح منعها.
وتندر المعلومات عن المثليَّة بين الإناث في العصور القديمة فالشاعرة صافو، التي ولدت في جزيرة لسبوس، كان شعرها يتمحور حول الشغف بكلا الجنسين. والمصطلحان «ليزبيانيزم» و»الصافية» اشتقا من اسمها واسم مسقط رأسها، وهما يدلان على المثليَّة الجنسيَّة بين النساء.
معظم الدول في العالم لا تمنع السلوكيات الجنسيَّة التي تُمارَس بالتراضي بين أشخاصٍ يبلغون سن الرشد ولا تربطهم صلة قرابة. بالإضافة لذلك، بعض السلطات القضائيَّة تعترف بحقوق الأزواج المثليين وبامتيازات البُنى الزوجيَّة المثليَّة كالزواج المثلي. بالمقابل، السلطات القانونيَّة في بعض الدول تُجرِّم الممارسات المثليَّة. الخارقون لهذه القوانين قد يواجهون عقوبة الإعدام في بعض الدول، إلا أنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين السياسات الرسميَّة وبين ما يُنَفَّذ على أرض الواقع.
وتواجه أوروبا حاليًا العديد من المشكلات الاقتصاديَّة، وأيضاً في ما يخص المهاجرين، فأصبح واضحًا العداء الكبير بين اليساريين واليمينين لكنهم عند «المثليَّة»يتفقون.
ففي الشهر الحالي، كانت هناك مسيرة لدعم المثليين في مدينة مالمو السويديَّة التي تتميز بتواجدٍ عربيٍ كبيرٍ فيها، وشاركت فيها جميع الأحزاب بأسمائهم الصريحة والمنظمات أيضًا وكذلك رجالات الأمن في إشارة منهم الى أنَّهم سيقفون حماية لهم من الاعتداءات التي تحصل ضدهم بين حينٍ وآخر.