في {الخيال والحريَّة} هل يتنازل الإنسان عن خياله؟

ثقافة 2022/12/28
...

 صلاح حسن الموسوي 

يأتي هذا الكتاب كخلاصة لعدد من المؤتمرات العلمية والطاولات المستديرة التي انعقدت في كل من اليمن والأردن وفرنسا بين عامي 2009 - 2012، والتي نظمها (مركز بحوث التنمية الدوليَّة) في كندا و(المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي) ومؤسسة (بيت علوم الإنسان) الفرنسيَّة و(المعهد الفرنسي للشرق الأدنى).

وجاء ترتيب دراسات الكتاب التي أشرف على تحريرها الباحث العراقي هشام داوود إلى قسمين، القسم الأول العشائر/ القبائل، الاسلامويَّة والدولة، والقسم الثاني: العشائر والقبائل في مناطق النزاعات، إذ تناول في القسم الأول، العشائر/ القبائل والحركات الإسلامية في شمال افريقيا والشرق الأوسط للكاتب الأميركي ديل ايكلمان، السياسات القبليّة للدولة الإيرانيّة، من القاجار إلى الجمهورية الإسلامية للباحث الفرنسي جان بيير ديغار، الجزائر: القبيلة كأفق سياسي للباحث في الأنثربولوجيا يزيد بن هونات، أما مواضيع القسم الثاني فكانت: أفول المؤسسة القبليّة في افغانستان للباحث جيل دورو نسورو أستاذ العلوم السياسيَّة في جامعة باريس الأولى، طالبان والملالي وجماعات لشكر (الديناميات الاجتماعية في المناطق القبليّة الباكستانيّة) للباحثة في علم الاجتماع السياسي مريم ابو الذهب، اليمن المعاصر: مجتمع قبلي؟

للباحث في مركز البحوث الدوليّة لوران بونفوا، عن الصوماليين والقبيلة وسياسة الحرب (1991 - 2009) للباحث في العلوم السياسيّة رولان مارشال، الروابط البدائية والتسلط والانتفاضة الشعبية في ليبيا، لعلي بن سعد أستاذ معهد الدراسات الجيوسياسية، العشائر العراقيّة في أرض الجهاد، هشام داوود، وقد تضمن الكتاب ملحق: مراكز الديمقراطية القبلية ودراسة بعنوان خلاصات نظرية حول الطائفة والعشيرة وعن التوازن بالغلبة في الوطن العربي لسعود المولى، وخاتمة: القبائل والأثنيات والدول: لموريس غود وليية.

في مقدمته للكتاب، يقول الباحث هشام داوود، لماذا ننشر اليوم كتابا جديدا عن العشيرة/ القبيلة أو عن الواقع العشائري/ القبلي؟

هل هذا ناتج عن اهتمام بما معين من تاريخ البشريّة لما يزل في طور الاضمحلال منذ الأزل؟

أم لأننا نراه اليوم، على الرغم من ماضويته، يعود منتقما فيتغلب على انماط التنظيم البشريّة الوطنيّة والقوميّة والدولتيّة، الاكثر حداثة، التي كان من المفترض ان تحل محله وتحيله إلى مجرد مستحاثة انثربولوجية تقبع في خانة (البدائية) أو(الروابط الأولية)؟

ام لأننا نشهد منذ عقدين مقاومة عنيفة تبديها الشعوب (الأصلية) أو المجتمعات (المحلية) لعملية اعادة النظر في نمط حياتها الذي عرفته منذ ان وجدت؟

من تشخيصات الكتاب المهمة هي المقاومة والرفض التي يبديها وجهاء العشائر للجهود الرامية إلى التوثيق الكتابي أو الإداري للعلاقات بين المجموعات العشائرية، باعتبار ذلك يمثل اضعافا لقدرتهم على التفاعل بمرونة مع ما يستجد من أوضاع، وبخصوص الواقع القبلي في إيران يشير جان بييرديغار إلى أن ايران لاتزال حتى اليوم البلد الذي توجد فيه أهم مجموعة سكانيّة قبليّة في العالم من حيث عدد الأشخاص المعنيين والمساحة المشغولة والحصة من الناتج الاقتصادي الوطني، بل والتأثير السياسي حتى وقت قريب، وثمة واقعتان تفرضان نفسيهما على من يدرس تاريخ القبائل والعشائر في ايران:  هناك من جهة العلاقة شبه العضوية بين القبائل والدولة المركزيّة، ومن جهة اخرى تعدد اشكال تلك العلاقة وطرقها 

وتبدلاتها.

وفي الجزائر، كان للدولة الحديثة المستقلة في الواقع ارادة قوية لإعطاء صورة عن الجزائر والجزائريين انهما دولة واحدة وشعب واحد منذ الأزل، وقد أكد خطاب صحيفة الثورة الأفريقية، وهو نفسه خطاب جبهة التحرير الوطنية والدولة، على أن الاستعمار قد دمَّر التنظيم القبلي القديم لتشجيع الإقطاع، ولكن من جهة أخرى بقيت المسألة القبلية ومسألة الزوايا (المؤسسة الدينية المرتبطة بشخصية مقدسة) موضوعين محرمي التداول نوعاً ما بعد الاستقلال وخلال حقبة الحزب الواحد في 

الجزائر.

وحول اليمن نقتطع الأسطر التالية من بحث لوران بونفوا (بغض النظر عن الادعاء بالانتساب إلى تلك السلسلة النسبيَّة البعيدة، التي هي بلا شك (وليدة الخيال) إلى حدٍّ بعيد - فإنَّ 

النظام القبلي اليمني يبدو أقل تأثرا (بعلاقات الدم) منه إلى الانتماء إلى اقليم جغرافي محدد لم تتطور حدوده في نهاية المطاف إلا قليلا خلال قرون عديدة، ويلاحظ بول دريش في هذا الصدد مدى غياب خطاب الغزو عند القبائل اليمنيّة، ويشكل استقرار الإقليم وما ينجم عنه من استقرار لأسماء الأمكنة، خاصية يمنيَّة تمنح علماء الآثار والتاريخ معلومات قيّمة)، كذلك يبقى التعارض في النسب (عدناني/ قحطاني) يشكل خاصية لافتة، ويحل غالبا محل الصراع بين الفئات البدويّة/ الحضريّة، الذي هيكل لمدة طويلة مجتمعات شمال شبه الجزيرة العربية وخصوصا المملكة العربية السعودية، فأغلب القبائل في اليمن مستقرّة، تعيش في القرى وتزرع 

الأرض.

يورد محرّر الكتاب أنّه يسعى إلى تقديم توصيف خصوصي لكل حالة تندرج ضمن الإطار العام المذكور، وهو كتاب مؤلف بطريقة تسعى إلى الإضاءة، والإضاءة هنا ضرورية وغير مسبوقة، وقد عمل الكتاب بداية على تحليل العشيرة/ القبيلة بوصفها بنية مجتمعيَّة سياسيَّة، وعلى تبيان، على ماذا تقوم (استمراريّة) هذا الثابت العشائري أو تبيين أنّه كان على قطيعة مع ماعرفناه منه في القديم، ثم انصب الاهتمام على تحليل العلاقة بين العشائر/ القبائل والدول من جهة، وبين العشائر/ القبائل والحركات الإسلامية المحليّة والعالميّة من جهة 

ثانية.