إضاءة الكتابة... مقاربة أسلوبيَّة

ثقافة 2023/01/04
...

  حسن الكعبي


في كتابه الصادر عن منشورات الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، يقترح الشاعر والكاتب نصير الشيخ، عنوانا دالا على ستراتيجيات القراءة المتبعة في الكتاب، وهي ستراتيجيات تُعلي من سلطة النص، وتمنحه حرية اختيار المقاربات المحايثة والمؤولة له، بمعنى أنَّ المنهجيَّة الصارمة تتراجع في مقاربات النصوص، لصالح منهجيَّة مرنة تسمح بتعالق المناهج وتناسلها في مقاربة النصوص.

ما يضيء من الكتابة هو عنوان الكتاب، وهو المثابة او العتبة التي توجه الوعي القرّائي الى طبيعة المنهج المستخدم في مبثوثات الكتاب، فالكتابة وهي النص الخاضع للتشريح هي التي تشي بمضامينها بعيداً عن موجهات كاتب النص، فقد تصدر توجهات الكاتب عن انطباع أحادي حول تجنيس ما يكتبه، فيضيء النصّ انطباعا مغايرا حول هذا التجنيس، فيقترح تجنيسا آخر مغايرا لمقصديات الكاتب.

في هذا السياق فإنَّ (نصير الشيخ) يستخدم منهجا وصفيَّا يصف السياقات والمفاهيم التي صدرت الكتابة عنها، ففي مقاربته لنص - برهان العسل -  الذي جرى تصنيفه ضمن جنس الرواية، في إطار مقصديات كاتبة النص -  سلوى النعيمي-، يرى - الشيخ - أنَّه وبالارتكاز على معطيات النص وما يضاء من الكتابة، فإن النص يأخذ تجنيسا آخر يكتسب صفة الـ "النوفيلا" او الرواية القصيرة التي تستبعد محوريَّة الشخوص كما في الأعمال الروائيَّة الطويلة. والتي تتأطر ضمن محددات تكسبها هذه الصفة - أي صفة النوفيلا -  مثل ارتكازها على وحدات سرديَّة لا تتساير ضمن خط بياني متصاعد، وإنّما تتساير ضمن موتيفات سرديَّة متقطعة، كشكل من أشكال هذا الجنس السردي.

إنَّ عنوان الكتاب يظل حاضرا ومهيمنا في فحص النصوص الكتابيَّة التي تقترح المنهجيَّة الخاصة في مقاربتها، ولذلك فإنَّ الكتاب يذهب بحسب مقترحات النصوص، الى منهجيَّة تأويليَّة وأسلوبيَّة، وسياقيَّة ونسقيَّة، مع هيمنة الأسلوبيَّة على الكتاب بشكل عام، من خلال الاعتماد على اللغة بشكل كامل في تفسير نفسها وهو المعتمد في مقاربة النصوص الشعريَّة، إذ تحضر في سياق هذه المقاربات، مفاهيم الانزياح والكنايات والاستعارات والبلاغيات، بوصفها من وظائف مفهوم الشعريّة بحسب – جاكبسون – او كخصائص جوهريَّة تحدد الطبيعة الشعريَّة للنصوص التي جرى مقاربتها.

في فصل آخر من الكتاب، تتموضع نصوص السيرة ضمن مفاهيم سيكولوجية كسياقات انطلقت منها هذه النصوص وتجوهرت ضمن كونها الكتابي الذي حدد جنسها وفرض مقاربتها من هذا المنظور السياقي، فنصوص السيرة بشكل عام تعتمد الانثيالات او التداعيات الملازمة لمفهوم الاعتراف، ومن هنا فإنَّ المجال السيكولوجي يكون المجال السياقي الذي صدرت عنه، فضلا عن السياق الاجتماعي والتاريخي، ومن ثم فإنَّ ما يضاءُ من الكتابة في هذا الفصل من الكتاب هو المقاربات السياقيَّة.

في الفصل الأخير من الكتاب والذي يسعى الى مقاربات أنثروبولوجيّة وثقافيّة وفكريّة وسياسيّة، فإنَّ المنهجيَّة المقترحة هي منهجيَّة نسقيَّة، تفكك تشكلات النسق وتحكماته في السياق الذي ظهر ضمنه هذا النسق، اي سياق تبيئة المفاهيم التي يفرضها النسق على السياق الذي ظهر ضمنه، وبالمجمل فإن الكتاب النقدي الموسوم "ما يضيء من الكتابة" للشاعر والناقد (نصير الشيخ) يعتمد مقاربات نقديَّة تسمح بتنافذ المنهجيات بحسب مقترحات الكتابة، وهو ما يجعل متن الكتاب يرتقي الى العنونة ويُفسِّر مدلولاتها في توضيح مقصديات الكاتب في اجتراح عنوانه الدال على طبيعة مقاربته للنصوص ومنهجيته المعتمدة ضمنه.