الفاعل والمفعول ولحية الشاعر التلفزيوني

ثقافة 2023/01/11
...

عادل الصويري 

العنوان هنا، ليس لمجموعة شعرية، أو كتاب سردي؛ بل هو اختصار لحكاية عجيبة غريبة، ظننتها حين قرأتها في وسائل التواصل الاجتماعي دعابة، قبل أن أُصْدَم من حقيقة حصولها في كواليس برنامج أمير الشعراء، الذي يُعد أكبر مسابقة شعرية تلفزيونية تقام في الإمارات.

يروي الشاعر المصري أحمد عايد ما حدث له مع أحد أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الراحل الدكتور صلاح فضل الذي اشترط على الشاعر حلق لحيته لقبوله في المراحل المتقدمة للمسابقة.

وحين سأل صاحب الشرط عن العلاقة بين لحيته، والتقييم النقدي للقصيدة قال له: “دا شرطنا» .

ترى، هل من نسق مضمر لهذا الشرط؟

هل أصبح شكل الشاعر، وتسريحة شعره، وإطلاق لحيته أو حلقها، جزءاً من آليات تحليل القصيدة فنياً؟

بين فترة وأخرى، تظهر حكايات غريبة جداً من كواليس هذا البرنامج، كما وأن أحداثاً لا تكون ضمن الكواليس غير المشاهدة، بل تظهر فعلياً على الشاشة، سواء في الحلقات التسجيلية الممهدة للتصفيات النهائية، أو حتى في الحلقات التي تُعرض على الهواء مباشرة.

أحد الشعراء القادمين من اليمن في بداية الحرب يقرأ قصيدة عن تداعياتها المدمرة على بلده، فيقول له الناقد : إن قصيدتك مأساوية ونحتاج للتفاؤل، لذا أنا لا أجيز قصيدتك.

وفي الموسم التالي يأتي نفس الشاعر، ويقرأ أمام نفس اللجنة قصيدة مليئة بالحب والحياة؛ فيقول له نفس الناقد: بلدك تحترق من أثر الحرب أيها الشاعر، وتأتي لنا بقصيدة كلها خيالات وعواطف؟

أين الواقع؟

أنا لا أجيز قصيدتك.

هنا لا يبقى من إحباط هذا الشاعر سوى سؤال منطقي: ماذا يريد هذا الناقد بالضبط؟

شاعر آخر يقرأ قصيدة يقول في أحد أبياتِها: “ويُعْجِبُني في الذكرياتِ سَخاؤها”، وبعد الانتهاء يناقشه رئيس اللجنة ويستفسر منه عن سبب رفع “سخاؤها”؛ لأنها – بحسب رئيس اللجنة – مفعول به ومحلها النصب!

وعبثاً حاول الشاعر توضيح أن الفاعل هو (السخاء)، وياء المتكلم في الفعل (يُعجب) هي مفعول به متقدم وهو توضيح صحيح لا لبس فيه، غير أن رئيس اللجنة اختار التنمر على الشاعر المتسابق.

والاغرب أن سيدة في لجنة التحكيم، دخلت على خط النقاش؛ لتزيد طين المأزقِ بللاً بلفظ مفردة (سخاؤها) بالكسر، حين قالت (سخائها).

وحين ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي، بهذه الفضيحة اللغوية، ظهر رئيس اللجنة في تغريدة على موقع تويتر ، برر فيها على طريقة (إجا يكحلها عماها) قائلاً: إنَّ الحادثة هي لاختبار أعصاب المتسابق، ليضع نفسه في حراجة أشد من حراجة هفوته النحوية؛ لأن المدونين واجهوه بعدة أسئلة منها هل هو برنامج شعري أم اختبار أعصاب؟

وإذا كان الموضوع اختبار أعصاب، فالأولى اختبار أعصاب الناقدة التي قالت بالجر، في حين قال زميلها رئيس اللجنة بالنصب، بينما الصحيح هو الرفع وهو ما قال به الشاعر. 

إنَّ ظاهرة برنامج أمير الشعراء في الإمارات، ودلالة مفردة “ظاهرة” في هذا المورد هي القابلية على الانطفاء؛ تدلل بشكل واضح بعد أكثر من عقد ونصف على انطلاقته؛ أنَّ المال الكثير، والإمكانيات الاعلامية واللوجستية، وبعض الامتيازات الأخرى، لا تكفي لترتقي باللغة والشعر كما يزعم هذا البرنامج الذي بدأ ينحدر بمواسمه الأخيرة، ويميل إلى جزئيات لا علاقة لها بالشعر ولا خفاياه، فضلاً عن الترسيخ غير المباشر للتجارب الشعرية المتشابهة التي أصبحت تأتي للبرنامج بعد أن شاهدت مواسمه السابقة، وخبرت مزاج لجنة التحكيم التي استمرت من دون أي تغيير، إلا بفعل إرادة الموت التي غيبت الدكتور صلاح فضل.

وكل هذه الإشكاليات تعصف بماهية الشعر، وتضعف قصدية الارتقاء به، وربما تعصف بكل ما هو شاعري وجميل، عبر تقنيات وممارسات تشترط حلق اللحية، وتعلن الفاعلَ مفعولاً به عبر اختبارات أعصاب.