برهان شاوي.. أديب من هذا الزمان

ثقافة 2023/01/14
...

  رامي فارس الهركي

برهان شاوي أديب وروائي وسينمائي ومترجم مقيم في ألمانيا منذ العام 1986، درس السينما في موسكو والإعلام في ألمانيا، ثم التاريخ والعلوم السياسيّة في جامعة موسكو الدوليّة لعلوم الاجتماع، غادر العراق نتيجة الظروف القاسية التي أجبرته على المغادرة وذلك بعد رحلة عذاب قضاها في السجون وتحت وطأة شبح الملاحقة الأمنيّة. كتب الشعر والرواية وله نتاجات شعريّة أبرزها (مراثي الطوطم، ورماد مجوسي، وضوء أسود)، كما كتب الرواية منها (الجحيم القدس، واستراحة مفيستو، ومشرحة بغداد)، قبل أن يبدأ بمشروعه الروائي الكبير (المتاهات).

برهان شاوي ليس روائياً وشاعراً فحسب، بل هو مترجم نقل من الروسية للعربية أبرز النتاجات الشعرية لبعض شعراء روسيا منهم يوسف برودسكي، وفلاديمير فيسوتسكي، وآنا أخماتوفا.

في هذا الحوار نسلط الضوء على أبرز نتاجات الشاوي الروائية وعن مدى تأثره بالكاتب والفيلسوف الروسي الكبير فيودور دستوفيسكي ونظرته عن أدب نجيب محفوظ.

* متى كانت البداية تحديداً في عالم الرواية؟ 

- إذا كنت تقصد الرواية، لأني كنت مهووساً بقراءة الروايات منذ مراهقتي، فقد بدأت كتابتها في العام 1987، حينما وصلت ألمانيا بعد الانتهاء من دراستي الأكاديمية في موسكو. حينها بدأت كتابة رواية سينمائية، بمعنى أنني استخدمت تقنيات السينما لغة وأسلوبا، تقطيعا ومونتاجا، عند كتابتها، وأقصد هنا رواية (الجحيم المقدس).

* رأيك في الجوائز الأدبية وما يرافقها من إشكالات؟ 

- الجوائز شيء مفيد في تحفيز الكاتب على التنافس، بل إن الفعل الأكبر للجوائز هو تحفيز حشد القرّاء في متابعة الروايات المختارة في القوائم الطويلة والقصيرة، لكن شروط الجوائز أجدها قاتلة للإبداع، فهي تمنع التناول الإيروتيكي والجنسي في السرد، وتمنع الاقتراب من المقدسات وتفكيكها، أي خفض سماء الرواية. ناهيك عن الشبهات التي ترافق اللجان وأعضاءها. وهذا الأمر لا يمس الجوائز الأدبية العربية وإنما يمس جائزة نوبل أو البوكر البريطانية أو أية جائزة كبرى.

* نرى توجها من الشعراء الى كتابة الرواية هل نعتبر ذلك موسم هجرة الشعر نحو الرواية؟

- لا أعتقد ذلك، فتاريخ الرواية العالمية يؤكد لنا بأن الغالبية العظمى من روائيي العالم كانوا شعراء قبل الانتقال إلى السرد الروائي. وحاليا، أهم روائيين في العالم وهما: ميلان كونديرا، وبول أوستر، كانا شاعريين معروفين ولهم لمسات بارزة في عالم الشعر، قبل انتقالهما إلى الرواية. بوشكين شاعر روسيا الأكبر لا نقرأ له بشكل عام سوى رواياته القصيرة، وكذا لير منتوف الذي أشعاره تجمع في مجلدات عديدة لكن العالم يعرفه من خلال روايته الخالدة (بطل زماننا، أو بطل من هذا الزمان)، وكذا لورنس صاحب (عشيق الليدي شاترللي) كان شاعرا مجيدا. والأمثلة كثيرة جدا، وحتى عربيا نجد هذا الأمر وأستطيع أن أعدد لك الكثير من الأسماء.

* اسمك اقترن بالمتاهات التسعة التي تعد أطول رواية في الأدب العربي الحديث ما المحفز لفكرة المتاهات؟

- صحيح أن اسمي اقترن بالمتاهات التسع الأولى، وهذا يرضيني ولا يرضيني، من حيث أن المتاهات الأولى قوبلت بالإشادة، وكتب عنها ما يقرب من الثلاثين أطروحة دكتوراه ورسالة ماجستير، لكنها تشكل الجزء الأول من مشروعي الروائي، وهنا أوضح ما لا يرضيني، هو أن مشروعي الروائي يتناص مع (الكوميديا الإلهيّة) لدانتي أليغيري، شاعر إيطاليا الأكبر، وملحمته تتألف من ثلاثة أقسام: الجحيم، المطهر، الفردوس. ولأن (الجحيم) عند دانتي يتألف من تسع طبقات، لذا كتبت تسع روايات تتناص مع جوهر (الجحيم) ودوافع العقاب فيه، وهو الرغبة، وبعد الانتهاء من المتاهات التسع توجهت إلى القسم الثاني من الملحمة، أي (المطهر)، وهو تسع طبقات أيضا، فكتبت أربع روايات إلى الآن ... صدر منها مملكة الموتى الأحياء، ومطهر الخطايا المقدسة، وقداس جنائزي لزهرة اللوتس المقدسة التي ستصدر خلال أسبوع، وعلى وشك الانتهاء من الرواية الرابعة (كوبرا معبد الخطيئة). وسأستمر لإنهاء طبقات (المطهر) أو (المتاهات الجديدة) بتسع روايات أيضا. لكن رأيت أن التركيز تم دائما على (المتاهات الأولى)، علما أن الروايات (المطهر)، في رأيي، أشد جرأة وتنوعا أسلوبيا من (المتاهات) الأولى. أما المحفز لفكرة المتاهة فهو التفكير الفلسفي والنفسي في البحث عن معنى الحياة والوجود وتفكيك السلوك البشري، فوجدت أن النفس البشريّة متاهة.

* رواية (قداس جنائزي لزهرة اللوتس المقدسة) و(كوبرا معبد الخطيئة)، هل هما امتداد لحكاية فندق باب السماء؟

- نعم... هما الجزء الثالث والرابع من تساعية المطهر أو المتاهات الجديدة التي هي جميعها تحت عنوان (فندق باب السماء). الروايتان يدخلان ضمن المطهر. وسأواصل كتابة خمس روايات أخرى لاستكمال طوابق المطهر وأروقته. هذا إذا طال بنا العمر لإنجاز ذلك.

* كيف ترى الرواية العراقية في وقتنا الحالي وهل جميع ما يكتب من روايات صالح للنشر؟

- الرواية العراقية متقدمة جداً في بعض نماذجها وأصالة كُتّابها، لكن ليس كل ما يكتب وينشر يسمى (رواية) بالمفهوم الأدبي والنقدي، فبعضها مجرد ريبورتاجات صحفية، وحكايات، وليست كل حكاية يمكن أن تكون (رواية)... أما النشر فمسألة أخرى، إذ إنّ أي إنسان حر بأن ينشر ما يكتبه. لكن مع الأسف دور النشر صارت دكاكين للربح، بغض النظر عن طبيعة ما ينشرون.

* الآن نأتي على المتاهات. نرى أبطال دستويفسكي حاضرين في أغلب المتاهات تحديدا الأمير ميشكين وناستاسيا فيليبوفنا لماذا؟

- أولا، لأني مهووس برواية الأبله لدستويفسكي، وربما قرأتها أكثر من خمس عشرة مرة، واحفظها، واحفظ مشاهدها، ورأيت تقريبا كل الأفلام الروسية واليابانية والمسلسلات المأخوذة عنها، وأحب شخصية (ناستاسيا فيليبوفنا)، واعتبرها واحدة من أهم الشخصيات النسوية في الرواية العالمية، طبعا إلى جانب شخصيات نسوية أخرى مثل مدام دي وينال، وماتيلدة دي لامول في (الأحمر والأسود)، ومدام بوفاري عند فلوبير، والليدي شاترللي عند لورنس، وتريزا راكان عند إميل زولا، وغيرهن، لذا استحضرت في (متاهة قابيل) كل من دستويفسكي وناستاسيا فيليبوفنا والأمير مشكين الأبله إلى فندق في ميونخ، ودفعت بناستاسيا فيليبوفنا أن تعارض دستويفسكي، خالقها، وتناقشه على واحدة من أهم جمل الرواية، وهي عندما الامير مشكين يرى صورة ناستاسيا فيليبوفنا لاول مرة فيقول بما معناه: (مثل هذا الجمال يمكن أن ينقذ العالم)، فتسأل دستويفسكي: (اذا كان جمالي يمكن ان ينقذ العالم فلماذا قتلتني في نهاية الرواية بينما أبقيت على هذا الأبله؟). طبعا هذه حقيقة، لان دستويفسكي كان مسيحيا ارثدوكسيا متعصبا، ومن خلال شخصية الأمير مشكين كان يجسد القيم المسيحية، لذا أبقاه حيا ودفع راغوجين إلى ذبح ناستاسيا فيليبوفنا. وبالمناسبة أدخلت ناستاسيا فيليبوفنا ودستويفسكي في المتاهة الأخيرة أيضا، حينما تأتي دستويفسكي نوبة صرع وهو في مطعم فندق (ريو) في برلين، وتداري حالته حينها ناستاسيا فيليبوفنا.

* شخصية آدم التائه دخلت حالة من الاندماج العاطفي لشخصية ناستاسيا فيليبوفنا لماذا جعلته يعيش تلك الحالة؟

- لأني كما أسلفت في جوابي السابق بأني أعشق شخصية ناستاسيا فيليبوفنا في رواية الأبله، لذا دفعت بشخصية آدم التائه لكي يعيش تلك المشاعر الجياشة معها.

* ما الذي أضافه دستويفسكي لبرهان 

شاوي؟

- دستويفسكي هو مرجعي الأصيل ومعملي الأول في كتابة الرواية. منه تعلمت القاعدة الذهبية الأساسية لأي عمل إبداعي، وهو الجرأة والصدق الإبداعي والفني، مهما كان مناقضا ومعارضا لقناعتك الشخصية ككاتب. فهو مثلا، على الرغم من أنه متعصب ديني لحد الهوس والشعوذة، لكنه منح شخصية (إيفان كارامازوف) في رواية الإخوة كارامازوف الحرية بأن يعبر عن إلحاده وشكوكه المخيفة في الله والمسيح والمسيحية والكنيسة، ناهيك عن أسلوب التحليل النفسي، والاهتمام في التفاصيل، بل وفي تفاصيل التفاصيل، والاهتمام بأحلام الشخصيات وكوابيسهم عن المنام.

* بمناسبة الحديث عن دستوفيسكي، لماذا تتسم كتاباته بالسوداوية؟

- لأنه حدق في الحياة وفي معنى الوجود ورأى البئر الأسود في النفس البشرية، ولا تنسَ أنَّ الوجه الآخر للمرآة هو أسود، وكلما كانت كثافة السواد أكبر في ظهر المرآة، كلما كان صفاء الرؤية أكبر.

* كتبت جزءا ثانيا لرواية (مشرحة بغداد) وكان بعنوان (الحداد يليق بالسيدة بغداد)، فلماذا الحداد دائما يليق بالسيدة بغداد؟

- بعد مقتل أكثر من 800 شاب من خيرة شبابنا وأشدهم وعيا وشجاعة وجرأة، وجرح وإعاقة 28 ألفا، وها أنت تسألني: لماذا (الحداد)؟. الناس تقيم الحداد لموت إنسان واحد، فكيف بمدينة استشهد تحت نصب حريتها هذا الكم من الشهداء. 

وإلى الآن لا نعرف أو نحدد من قتلهم؟ وعادة لا يرفع الحداد إلا بعد أن يتم القبض على القتلة ومحاسبتهم، عندها يمكن رفع الحداد. 

* أين نجد برهان شاوي من بين شخصيات دستويفسكي، وكذلك بين الاوادم والحواءات في المتاهات؟   

- لا أجد نفسي في شخصیات دستویفسكي، إنما أجد نفسي في هوس دستویفسكي نفسه، من خلال التوغل بأعماق النفس البشريّة بلا خوف وكشف المستور عن الأعماق. أحيانا أجد نفسي قريبا جدا من هواجس راسكولينكوف في (الجريمة والعقاب)، ومن شكوك إيفان كارامازوف في (الإخوة كارامازوف)، وفي قلق استافروجين وشكه في المبادئ الكبرى في (الممسوسين التي تترجم بالشياطين)، أو في تناقضات ناستاسيا فيليبوفنا في (الأبله) مع أنها شخصية نسوية. أما في (المتاهات)، فأنا لست موجودا كشخصية روائية، لكن هناك أقنعة قريبة لي جدا، مثل آدم الأكويني في (متاهة العدم العظيم)، وآدم المحروم بل وفي شخصية حواء الزاهد أيضا في (متاهة حواء)، بعض جوانب شخصية آدم الواسطي في (متاهة الأشباح). وبشكل عام في شخصية آدم التائه في أكثر من متاهة، لكن الأقرب لي هو آدم الأكويني.

* ذكرت لي مرة بأن مؤلفات نجيب محفوظ لم تقرأ جيداً حتى اللحظة، لماذا؟

- نعم، وما زلت عند رأيي، فنجيب محفوظ هو الهرم الأكبر في الرواية العربية. وكما في الهرم الكثير من الأسرار كذلك أعمال نجيب محفوظ فيها من تنوع الأفكار وأسرار فن الحوار والسرد وتنوع الشخصيات أكثر بكثير مما كتب وقيل عنها. تعلمت من نجيب محفوظ الكثير، تعلمت منه حبه لشخصياته الروائية مهما كانت ضالة. أنا أحب شخصياتي الروائية، الاوادم والحواءات، وأدافع عنهم في مواجهة الانتقاص منهم ومن سلوكهم.

* لك باع في الترجمة من الروسية، ماهي أبرز النتاجات الأدبية التي نقلتها للعربية؟ 

- ترجمت شعريا مجموعات شعرية من الروسية للشعراء: أوسيب ماندلستام، ويوسف برودسكي، وفلاديمير فيسوتسكي، وآنا أخماتوفا. كما ترجمت كتابا فنيا هو (لغة الفن التشكيلي). ومن الألمانية ترجمت كتبا علمية في الفيزياء الكونية النظرية، وكتابا في الانثربوبوجيا عن تاريخ الحبشة. لكني لست مترجما محترفا ولا أحب أن أقدم كمترجم، فأنا أمارس الترجمة كهواية، وليس احترافاً.