لويس أراغون.. اكتشاف مخطوطة تستذكر سنوات المقاومة

ثقافة 2023/01/16
...

 عدوية الهلالي 

أشترى خبير فني من ليون مخطوطة تحمل توقيع الكاتب والشاعر الفرنسي لويس أراغون بعنوان «ليون، الألغاز». وهي فرصة لاستذكار  السنوات التي عاشها الشاعر وزوجته إلسا تريوليه في ليون ودروم خلال فترة المقاومة.، وفي نظره، فإن هذه القطعة الهشة من الورق هي كنز حقيقي. وعلى هذه الورقة بالتحديد، كتبت قصيدة لويس أراغون المولود في عام 1897 والذي توفي في عام 1982، بالحبر الأزرق، وهي قصيدة كتبت في ربيع عام 1943، والمأخوذة من مجموعة ديانا الفرنسية.

وقال الخبير الفني جوليان باجانيتي، في مقابلة أجريت معه إنه حصل على هذه القصيدة في ربيع عام 2022 من جامع مخطوطات وتبين أنّها موثقة ونسخها الكاتب نفسه. وتروي قصيدة (ليون، الالغاز) الأجواء التي سادت عاصمة المقاومة خلال الحرب العالمية الثانية.

بالنسبة للمتخصصين في المؤلفين العظماء في القرون الماضية، فإنّ هذه الوثيقة مهمة بقدر ما هي نادرة. وقد كتبت القصيدة عام 1943 في ليون على مرتفعات منطقة مونتشات، في 4 شارع شامبوفيه في الدائرة الثالثة. عندما كان لويس أراغون ورفيقته إلسا تريوليه يختبئان هناك بحماية رينيه تافيرنييه. في ذلك الوقت، كان المكان السري يستضيف اللجنة الوطنية للكتاب من المنطقة الجنوبية وكانت ماريا بيرليوز شغوفة بتاريخهم. وقد قالت عنهم: «لقد وصلوا إلى منزل رينيه تافيرنييه حيث تم استقبالهم مع ألبير كامو».

وفي صيف عام 1943، لم يعد لويس أراغون وإلسا تريوليه آمنين في ليون. وقد عثرت شبكة مقاتلي المقاومة أخيراً على ملجأ لهم في سان دونات، شمال دروم، حيث مكثوا لمدة 14 شهرًا بين عامي 1943 و 1944 تحت أسماء مستعارة هي إليزابيث ولوسيان أندريو.

وتقول ماريا بيرليوز: «جسديًا، هم معزولون ولا يرون أي شخص ولكنهم على اتصال بمقاتلين آخرين للمقاومة وغالبًا ماكانوا يسافرون إلى ليون أو باريس». لقد مروا على اللاجئين، مثل العديد من العائلات في المنطقة. لكن قلة قليلة من الناس كانوا يعرفون هويتهم الحقيقية.

وخلال فترة الاختباء، واصل الزوجان عملهما في الكتابة. فأكمل أراغون روايته (أورليان) وكتب القصص القصيرة لمجموعة (العبودية وعظمة الفرنسيين) والقصائد التي تم جمعها في مجموعة (ديانا الفرنسية) أو(متحف جريفين). وكتبت إلسا تريوليه مجموعة من القصص القصيرة نُشرت في عام 1944 تحت عنوان (أول عقبة تكلف مئتي فرنك) وفازت بها بجائزة غونكور في 3 تموزعام 1945. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تُمنح فيها الجائزة الأدبية المرموقة إلى النساء. وخلال صيف عام 1944، نشروا في مطبوعات أو مراجعات سرية كما أنشأوا أيضًا صحيفة (دروم المسلحة) التي لعبت فيها إلسا دورًا أساسيًا بشكل واضح.

كان لويس أراغون شخصية رئيسية في الحركات الطليعية التي شكلت الثقافة الأدبية والبصرية الفرنسية في القرن العشرين، وقد ولد في منطقة بيو كوارتييه بباريس عام 1897. لم يتزوج والداه، ونشأ أراغون مؤمنًا بأن والدته كانت أخته، ووالده ولي أمره، وجدته أمه بالتبني. كان طالبا مبكر النضج، أكمل روايته الأولى عندما كان صبيًا صغيرًا، ثم درس لاحقًا في مدرسة ليسيه كارنو في باريس، حيث حصل على شهادات في اللاتينية والفلسفة. وفي عام 1917، التحق بكلية الطب في باريس والتقى بأندريه بريتون. كما لفتت كتابات أراغون انتباه غيوم أبولينير خلال هذا الوقت. وتم تجنيد أراغون في الحرب العالمية الأولى، وحصل في النهاية على ميدالية الشجاعة، وسرعان ما بدأ في كتابة القصائد. 

في عام 1919، قام بريتون وأراغون بتحرير العدد الأول من مجلة (الأدب) مع زميلهما الشاعر فيليب سوبولت، مما أدى إلى ولادة النسخة الباريسية من دادا. ونظم أراغون أحداث الدادائية طوال عشرينيات القرن الماضي، ونشر مجموعات شعرية مثل نار البهجة (1920) التي عكست اهتمام دادا بالعبثيَّة. كما بدأ في نشر روايات مثل (بانوراما) عام 1921 و(مغامرات تيليماك) عام 1922.

وبحلول منتصف العشرينات من القرن الماضي، حول أراغون وبريتون اهتمامهما إلى السريالية. وهي الحركة التي سيتبناها أراغون دائما: فقدم مجموعته القصائد (1920- 1924) وكانت بيانًا شعريًا للحركة الجديدة. ثم تحدث أراغون عن تأثير الكتابة التلقائية بقوله: «ما أفكر فيه يعبر عن نفسه بشكل طبيعي. وتختلف لغة كل شخص عن الشخص الآخر. فأنا على سبيل المثال لا أفكر من دون الكتابة، وهذا يعني أن الكتابة هي طريقة تفكيري». في عام 1928، التقى أراجون بإلسا تريوليه، أخت زوجة فلاديمير ماياكوفسكي. ووقع أراغون وتريوليه في الحب وظلا ملتزمين ببعضهما البعض - وبالسياسة الراديكالية على نحو متزايد - لبقية حياتهما. وعزز التزام تريوليه بالشيوعية التزام أراغون، وبدأ سلسلته بكتاب (كرة العالم)، وهي عمل سياسي سريالي يستخدم الواقعية الاجتماعية لمهاجمة الأعراف الأدبية والثقافية البرجوازية وكثيرًا ماكان يُنظر إلى الكتب التي تتألف منها السلسلة على أنها رائدة في حركة الرواية الجديدة في الأدب الفرنسي في الستينيات. وعندما تم تجنيد أراغون في الحرب العالمية الثانية، حصل مرة أخرى على الثناء لشجاعته، بما في ذلك قيادة هروب جريء لثلاثين رجلاً من القوات الألمانية. وبحلول عام 1940 تم تسريح أراغون، فعمل في صفوف المقاومة وكتب الكتيبات والافتتاحيات

والشعر.

وبعد الحرب، كتب أراغون عددًا من الدراسات غير الخيالية والدراسات والترجمات والكتب عن التاريخ والسياسة والفن والثقافة أشهرها مجموعته الشعرية (عيون إلسا). إجمالاً، كان سينشر أكثر من 100 كتاب خلال حياته فضلا عن العديد من المجلدات بعد وفاته. كان أحد أهم الكتاب في فرنسا ما بعد الحرب، وقد أسهمت روحه وكتاباته كثيرًا في تشكيل المشهد الفكري آنذاك. واستمر في الكتابة بغزارة حتى وفاته عام 1982.