شيماء الجازع.. قضية انتماء

ثقافة 2023/01/16
...

 إحسان العسكري


من واجهة كلية الفنون الجميلة حتى مشغلها الخاص ثمة طرق تؤدي نحو إبداعٍ خاص، عراقيَّة نشأتْ في أسرة تزاول الفن والجمال كنمط حياة يومي بين والدين مبدعين، وشقيق فنان متألق على الرغم من أنَّ ولادتها كانت في زمن الحرب إلّا أنَّ أعوامها السبعة لم تكن كما عند أقرانها وقريناتها، بل كانت بداية ثورة فنيَّة سقلت موهبتها ونمّتها بالمعرفة الثقافيَّة، فهي تتنقل بين أروقة الشغف بالفن وتدخل من أبوابه الواسعة المتعددة لتخرج بنتائج 

تريدها. 

ففي "تلاشي" التي تعد من اللوحات الملمة لأكثر من مدرسة فنيَّة جُمعت من بقايا كتاب قديم وقطعة قماش وألوان الأكريلك وجعلت من وجه المرأة لوحة واقعية أخذت من التجريد ما يكفيها وعبرت حتى وصلت عتبة الانطباعيّة ولم تتوقف عند الكلاسيكيّة فحسب.. هكذا إصرار على إظهار لوحة بهذا البهاء هو مدعاة لتأمل إمكانية هذه الشابة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التقنية العالية التي تخرجها بإظهار أعمالها كما في لوحة "خصام" التي رسمتها على كانفاس، وفيها خليط من الأحبار المستخدمة في الخط ومناديل ورقية والملح والأكريلك، وهي تنتمي لذات الأنثى وإن كان الذكر حاضراً إلّا أنّها اعتمدت التحدي والموقف الشديد، ويبدو ذلك جلياً في توخي الدقة في الخطوط وتدرّج الألوان، إذ منحت المجال لأكثر من قراءة رغم وضوح

العنوان.

وبالحديث عن الانتماء نجد هذه الميزة بائنة في لوحاتها من البورتريه، وهي تتناول المرأة باستخدام ألوان خشبيّة على ورق، أما نظرتها للتشكيل اللوني فقد اعتمدت تجربة لم يفكر باعتمادها إلّا القلة وهي تجربة الثلاثي: فلود مونييه وبيير اوكيسترنواين وفريدريك بزيل حينما اتفقوا أن يرسموا في الهواء الطلق ومنذ ذلك الاجتماع بدأ مفهوم جديد للمكانية حين لاحظوا اختلاف التأثر بالمحيط حسب الوقت، فضوء الصباح والنهار والمساء مختلف في تأثير سقوطه وانعكاسه على الألوان ومن هذا الاجتماع انبثقت رؤى حديثة أسهمت كثيراً في إنعاش الفهم الذاتي للفنان 

المعاصر. 

اعتمدت الجازع هذه الفكرة واستخدمت في جدارياتها تشكيلة فنيَّة ولونيَّة ميزتها، إذ إن الجداريات عادة ما تقع تحت متغيرات زمكانية طبقاً لتواجدها.. وهذا يبدو واضحاً في الجدارية التي تزيّن مدخل كلية الفنون الجميلة والتي اعتمدت الفنانة في إخراجها على الضوء المتغير واللون الثابت في لوحة فسيفساء رائعة بحجم 3 في 2 متر استخدمت فيها قطعاً من السيراميك ومادة الإسمنت الأبيض والألوان الزيتيَّة التي ساعدتها كثيراً في إخفاء المسامات، حتى أنها استخدمت الألوان الخشبيَّة وأقلام الرصاص، الأمر الذي جعل التميز عنواناً لهذا العمل والتألق سمة خالدة أنتجتها أنامل هذه الشابة العراقية المبدعة على خشب 

الـ أم دي اف.  

لم تعتمد العاطفة الجامحة ولا الخيال المبهم، بل أسدلت الستار على تأثرها بالمدرسة الرومانسيَّة عبر واقعيَّة تؤمن بها متخذةً من بيئتها مساراً خالصاً للإبداع، وكذلك دراستها الأكاديميَّة وشهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة - جامعة بغداد.

رسمت البورتريه وصممت لوحات الفسيفساء وجمعت الخرز والمجسّمات مع الألوان في لوحات الإكسسوارات، كما ورسمت على الزجاج، والإسمنت، والجدران، والبايركس، وأواني السيراميك.

وتناولت الرجل والمرأة بلوحات القلم الواحد والحبر الجاف وألوان الخشب ورسمت الزخارف والطبيعة والحروفيَّات والتجميعيَّات، ولم تترك مجال الخيال التصويري للأشياء والكائنات الحية، ولم تنتهِ مواهبها عند تصاميم الديكور، بل تعدت ذلك حتى وصلت لتصميم واجهات وتزيين جدران مؤسسات ومدارس وأماكن خاصة وعامة، ولم تتوقف عند التصميم والتصوير، بل لديها القابلية على التعامل مع مختلف أنماط الإبداع، شيماء لعيبي الجازع تلك الفنانة التي ملأت مدرجات مكتبتها بدروع الإبداع وأدراجها بالشهادات التقديريَّة عبر مشاركتها في عدد لا يحصى من المعارض والمهرجانات كمعرض OM  في عمان وآخر في 

سوريا.

وعدة معارض في بغداد وأيضاً المعرض الدولي الافتراضي الأول للمركز العالمي للفنون التشكيليَّة، ومعرض لوحة فنان الإلكتروني، ومشاركات البيت البغدادي والمركز الثقافي، ولمسة عراقية، وملتقى مصر الدولي للفنون. 

هكذا تستمر مسيرة عطاء هذه الفنانة ذات الحس الذوقي الرفيع والروح البغداديَّة الواثقة من ذاتها ومن خطاها.