أليخاندرو باسكوال.. وجوه الطبيعة الغامضة

ثقافة 2023/01/17
...

 ترجمة: رامية منصور


رغم كون البشر أبناء الطبيعة الأم، لكن غالبًا ما يحاول البعض حصر السلوك البشري في خانة منفصلة عن الظواهر الطبيعية الأخرى، في محاولة لتجريد الكائن البشري من جذوره الوجودية وتعميق عزلته وماديته لخلق حالة من اللا مبالاة بكائنات الطبيعة التي تحيط به وهم يقذفون بها صوب الخراب والاندثار!

لوحات أليخاندرو باسكوال السوريالية هي صور غامضة، وجوه موضوعاتها غالبًا ما تحجب بالنباتات أو الأقنعة. وتأتي هذه الطروحات الجديدة في حالات مزاجية مختلفة، من الغرابة إلى الكآبة وحتى الشعور بالوحدة. يستخدم الرسام الألوان الزيتية والأكريليك والكرافيت لتنفيذ أفكاره. 

"أحاول في أعمالي الفنية إظهار ما هو أبعد من إطار الشخصيات المصورة"، في حوار مع فيرونيكا سوليفيلاس، "إنني أصوغ أفكاري لتعبّر عن عوالم أو مشاهد عاشت في مخيّلة هذه الشخصيات، وأستخدم الأقنعة التي تغطي وجوههم كاستعارة لتحرير خيالاتهم. فأنا من خلال تغطية وجوههم وعدم ترك أي ملامح تعبّر عن حالتهم النفسيّة سواء كانوا غاضبين أو حزانا أو مبتسمين، أتركهم يقفون في منطقة محايدة، منتظرين قطار خيالهم لينقلهم إلى اللحظة التعبيرية التي أرغب".

تراوده كثيرًا ذكريات طفولته التي كان يقضي فيها ساعات وساعات في سقيفة منزله، رسم الكثير الكثير على جدرانها لكنه ما عاد يتذكّر شكل تلك الرسومات.. واليوم لا يشعر بأن ما يفعله هو مجرد فن، بل يشعر أن الرسم هو حاجة ضرورية للتواصل مع الحياة والناس. الرسم بالنسبة له مثل الدواء.

"أخطط رسوماتي على الورق مرارًا وتكرارًا قبل الانتقال لتنفيذها على القماش، لذلك بمجرد أن تنضج الفكرة، أقوم بتطويرها على سطح اللوحة بالخطوط والألوان. أعمل على اللوحة طوال اليوم في الاستوديو الخاص بي من الصباح الباكر جدًا، أحب العمل مع أول أشعة للشمس! تبدو كل لوحة جديدة وكأنها خطوة في مسيرة طويلة، فكل لوحة تمثل جزءا من حياتي" ويواصل أليخاندرو "هنالك دائمًا شيء جديد، بالتأكيد! لكنه يصبح قديمًا بمجرد الانتهاء من رسمه، لا أعرف بالتحديد متى ستكون لمسة الفرشاة النهائية، لكنني أعرفها في لحظتها فأتوقّف فورًا".

ينظر المهتمون والمشتغلون في الوسط الفني إلى لوحات باسكوال على أنّها تمثّل وجهًا من وجوه المدرسة السوريالية، لكنه يخالفهم الرأي ويعتبر أن أقرب مدرسة لأعماله هي "الواقعية السحرية"، كما اعتاد الألماني فرانز روه وصف تلك اللوحات التي أظهرت واقعا مغايرًا. يذكرنا باسكوال في أعماله بحقيقة نتناساها أو نتجاهلها في كثير من الأحيان، وهي أن علاقتنا مع الطبيعة والنباتات علاقة أزلية وستستمر إلى الأبد.. ذلك أننا امتداد أفقي من شبكة كبيرة من الكائنات الحية وحتى المعادن التي تقطن هذه الأرض.. يذكرنا أننا جزء من هذه الطبيعة الهائلة والسحرية. مرت عملية إنجاز هذه اللوحات خلال بعض الأوقات العصيبة جدا على البشرية كان أشدها COVID-19، جعلته يفكر كثيرًا في المكانة التي يحتلها الموت في المجتمع الغربي، وفي حياة سكان الكرة الأرضية، التي تحتلها المخاوف والمحرّمات، الموت الحاضر بقوة وبشكل أكثر واقعية من الحياة.. وانغمس في قراءة الكتب التي تبحث في الوعي وفلسفة الحياة ووجهات نظر الفلاسفة في جدلية الموت والحياة وتأثيرها في سلوك الانسان ووعيه.

يقول باسكوال "إن الحياة هي لقاء قصير مع الواقع، ورغم أن هذا اللقاء قصير جدًّا، ولكنه بالغ الأهمية، فهو يتعلق بفهمنا لأنفسنا كجزءٍ من الحياة وفهمنا للحياة وما فيها من دون إصدار حكم على أي شيء بكونه جيداً أو سيئاً. فقط علينا الانفتاح على طبيعتها وطبيعتنا بمحبة وحكمة، ولا نعتبر الحياة كابوساً، بل هي خطوة في مسار روحنا وعلينا تقبّلها بلطف، عسى أن يكون محيانا محيا خيّرًا ومماتنا مماتًا خيّرًا".

"الطبيعة هي نحن... إنّها المكان الذي أتينا منه وإليه سنعود، دعونا لا ننسى ذلك أبدًا.. دعونا نكون دائمًا لطفاء وممتنين لما 

تمنحنا إيَّاه، إنَّها الوجود الأصيل لنا، إنَّها كلُّ شيء".