عمار بن حاتم: أقف في منطقة وسطى بين الكلمة والصورة

ثقافة 2023/01/18
...

 بغداد: نوارة محمد 


صرخ عمار بن حاتم صرخته الأولى من مدينة كركوك عام 1978، واختار أن يواجه العالم بالألوان بعمر الأربع سنوات فقط. يقول إن الألوان سحرتهُ آنذاك فقرر أن يرسم، كما يقول "المرة الأولى أذكرها جيدا، شرعت أرسم شيئا ما يشبه الدبابة في محاولة لإعادة تمثيل مشهد مرور رتل من الدبابات في استعراض عسكري في بدايات الحرب مر أمامي، وربما هو انعكاس لما كنا نراه ونشهده من أحداث على مدار اليوم في طفولتنا المطوقة بالحرب".

ابن حاتم الذي اختار فن التشكيل مشروعه الثقافي، قرر أن يترجم صراعات هذا العالم وتناقضاتهُ في هذا المشروع الثقافي، ثمة رسائل يحاول ايصالها للمتلقي، إذ يرى "في الأساس هناك رسالة تُمرر من خلالها فكرة ما، قد تكون بشكل مباشر أو غير مباشر، ويختلف كل فنان عن آخر في التعبير وفي الأسلوب. بالنسبة لي، أحيانا تُفهم أعمالي، وأحيانا أقوم بشرحها، وفي أحيان أخرى أترك التفسير والتأويل للمتلقي، لا سيما أن تقدم رسالتها واضحة صريحة، لكنني بشكل أو بأخر اعتدت أن أجسد كل مأساة هذا العالم في اللوحة".

يعتقد عمار بن حاتم بعد تجربته الطويلة مع فن التشكيل والشعر، الذي عُرف بهما أن الفنان حُر والفن يجب ألاّ يندرج تحت مدارس ومسميات معينة في الرسم والشعر على حد سواء، إذ يضيف "سرعان ما أرسم أجدني حراً، لذا فأنا لستُ قادراً على تصنيف انتمائي على الرغم من اهميتها، وأشعر أن الفن خلق من اللا شيء شيئاً إنه الإبداع، قد أكون أقرب للتجريدية التعبيرية.. وربما تستهويني التكعيبية والسريالية وعمالقتها كبيكاسو وسلفادور دالي، لكنني أظن أنني مترجماً جيداً لما يدور بداخلي".

حرص التشكيلي عمار بن حاتم على توظيف صوره لتجسيد الأحداث وملامسة الواقع الذي مر به عراق الحروب، إذ اعتمد بشكل كامل على توثيق هذه الصراعات، كما يصف هذه التجربة قائلاً: كل الاحداث بلا استثناء.. عامة أو خاصة، أحاول تقديم رسائل أعبر فيها عن قضية معينة وقد تختلف في محتواها وشكلها وطريقة ارسالها وماهيتها وقد تكون رسائل سلام، ادانة، استنكار، شجب، أو حتى رسائل حب.. الرسم بالنسبة لي ايقاف اللحظة، توثيقها بطريقة أخرى تشبه التصوير لكن بمفهوم مختلف وببعد آخر". 

ويتابع " فكل شيء هو ملهم. قد تلهمني قطعة موسيقية، أو امرأة جميلة، أو شكل غيمة، أو مشهد في فيلم، أو ربما قصيدة، وكل حالة حب نمرُّ فيها، أو لحظة غضب، أو انفعال، كل قضية في هذه الحياة هي ملهمة وتؤدي بالنهاية إلى خلق عمل فني ".

عمار بن حاتم الذي قدم معارض شخصية على قاعات عربية وعالمية، خاض تجربة عديدة في الرسم كان أهمها ( Versejunkies ) العالمة في الشعر والفن التشكيلي، يرى أن هنالك توجها جديدا نحو اشكالات جديدة كالفن الرقمي والذي سيكون بديلا عن الفن التشكيلي التقليدي، يبيّن: لا بأس أن يكون الفنان متجدداً، والفن الرقمي فن موجود بحد ذاته كجزء أساسي من الفنون البصرية الحديثة وخصوصاً في الغرب، إلا أننا نرى محدودية في التعامل به والاشتغالات عليه في العراق والمنطقة. الفن الرقمي يختصر الكثير من الوقت والجهد والمواد، بل وحتى مساحة الاشتغال.. لكن يبقى الرسم والالوان والفرش والخامات الاخرى ورائحة الزيت هي الأفخم هي الأعظم والاجمل برغم ذلك الفن الرقمي يصنف كفن.. وهو بالمحصلة النهائية يوجه رسالة ويحمل فكرة. وهو ايضاً بحاجة الى الابداع، ونحن بحاجة لأن نميز بين الفن الرقمي والذكاء الاصطناعي، إذ إن هنالك التباساً في هذا الموضوع، الفن الرقمي يحتاج الى ذكاء ورؤية وابداع وممارسة لاتقان العمل، هنا الموهبة والإبداع مع التعليم والممارسة تصنع العمل الفني الرقمي.. وليس طرح الفكرة على منصة ما للذكاء الاصطناعي فتقوم برسم العمل، بناءً على المعطيات وتأتي النتيجة بعمل رقمي، ربما هو جميل، لكن لا يحمل فكرة ويكاد يكون خالياً من الابداع، خصوصاً إذا كانت فيه رسالة موجهة الى الجمهور".

الشاعرٌ صاحب كتاب (الدفتر الأحمر حكايات الصندوق الأسود)، و (رماد الطين)، والرسام اعتاد أن يمزج بين الكلمة والصورة يشعر أنه في منطقة وسطى بين الكلمة والصورة، وهو يصف هذه الرحلة الطويلة. "أقف في منطقة وسطى بين القصيدة واللوحة، قد أستطيع كتابة قصيدة وقد لا أستطيع كتابة اخرى فأترجمها إلى عمل فني وقد لا أستطيع رسم لوحة ما فاكتبها. القصيدة لوحة مرسومة بالكلمات، واللوحة قصيدة ملونة ولا فرق بينهما سوى بطريقة التعبير واللغة، لذا جاءت فكرة ترجمة نصوصي المكتوبة إلى أعمال فنية." 

لكن النحت الذي يكسر معه ابن حاتم نمطية المجسمات التقليدية، يبدو علامته الفارقة لا سيما أنها تمس قضايا إنسانية يجدها "رسائل استلهمها من قضايا إنسانية تمس المفاصل الرقيقة في جسد المجتمع الإنساني والخواصر الاضعف (المرأة، الطفولة، المثقف)، كما جسدتها في أعمالي (تابو، أطفال الحرب، لوركا)، أو أن أكون لساناً من لا لسان له، كالطبيعة والبيئة التي تتعرض للتلوث من قبل الإنسان، كما في عملي الأخير 

(المراقب).