قصص تقاوم المآسي والبؤس

ثقافة 2023/01/18
...

 ترجمة: نجاح الجبيلي

بمناسبة صدور الطبعة الإنكليزية للمجموعة القصصية «لا طواحين هواء في البصرة» للكاتب العراقي ضياء جبيلي عن دار نشر «ديب فيلوم» عام 2022 والتي ترجمها «تشيب روسيتي» كتب الناقد كار هاركرادر مراجعة لها في موقع necessaryfiction.com فيما يلي نصها:

 في وصف مجموعة قصص” لا طواحين هواء في البصرة” بقلم ضياء جبيلي، التي ترجمها من العربية تشيب روسيتي، من المُغري ببساطة إدراج الأشياء ذات الخيال الجامح: النجوم وهي تتساقط كالشلال من شعر المرأة؛ قُبّرة تبحث عن الدمامل المختفية؛ صبي ينضح الملح من مساماته، على شكل بروزات، وكانت “عماته تمنينَ لو أنه يدر بدل الملح نشارة الذهب، وخالاته فضلن الألماز”. اترك الأمر لعائلتك لإعادتك إلى الأرض. تدمج القصص الستة والسبعون في الكتاب الخيال ببراعة ضمن الحقائق الصعبة، لا سيما تلك المتعلقة بالبصرة المعاصرة.

جبيلي كاتب عراقي، ولكن قد يكون من الأصح القول إنه كاتب من البصرة، المدينة الواقعة في جنوب العراق حيث نشأ وما زال يعيش فيها، إذ توفّر مكان الحدث لكل قصة تقريباً في الكتاب. في مقابلة عام 2016 مع وكالة  Comma Press ، وصف جبيلي البصرة بأنها “مدينة السرد ... ومدينة الشعر” ، بما يتفق مع موقعها كعاصمة ثقافية في العراق. في الوقت نفسه، كما يوضح المؤلف، فإن موقع البصرة بالقرب من إيران، واستهدافها خلال حربي أمريكا في عامي 1991 و2003 وفي الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، واستغلالها الحالي من قبل شركات الطاقة الأجنبية والمتطرفين الدينيين المحليين، يجعلها المكان الذي يكتب فيه مؤلفون مثل جبيلي “لمقاومة البؤس الذي حل بالمدينة”.

كما يشير المترجم روسيتي في المقدمة، فإن قصص الجبيلي تعتمد على الحكايات الشعبية العربية، وهي تشترك في خصائص معينة للحكايات الشعبية - الإحساس الرومانسي الغريب بالسحر في عالمنا، وموضعة الشخصيات النموذجية الأصلية في أماكن محلية. القصص أيضاً قصيرة جداً، وتتجمع جنباً إلى جنب مثل قطع الحلوى. من الناحية المرئية، تذكرنا هذه المقطوعات القصصية بالشعر الغنائي المنسّق. ويكون التأثير شيئاً يتراوح بين السوناتة والتنَهّدة. المثير للاهتمام هو كيف يستدعي جبيلي قوة اللغة في مساحة صغيرة جداً. في قصة واحدة بطول صفحة واحدة، اثنان من العشاق:”اخترعا... طريقة جديدة في التواصل... فقد وشم كل واحد منهما شكل الآخر على ذراعه. فمتى ما اشتاق أحدهما وحنّ إلى حبيبه هرش الوشم”. عُشاق الوشم المطابق ليس تناولاً جديداً، لكن الهرش المفاجئ هو الذي يدهشك؛ فجبيلي يخلق احتكاكاً بين العشاق والقراء في الوقت نفسه.

يوحي الإيجاز لدى جبيلي بوهم البساطة، كما تفعل شخصياته المنعزلة في كثير من الأحيان. حين تظهر عدة شخصيات، فإنها ترتبط ببعضها البعض بشكل مباشر على ما يبدو - ابن وأم، وزوج من العشاق، ومدرب ولاعب كرة قدم متعثر. غالبًا ما تُحل عقدة القصص بثنية أو رؤيا. على الرغم من أنها لم تُكتب لتكون تنويرية، إلا أنها قد تبدو مثل الأمثال السحرية. لكنها تتجنب أن تكون تعليمية بشكل واضح وبأسلوب مخادع وواعٍ بذاته. كتب جبيلي عن شخصية وسط قصة حب خاصة بها: “على غير عادته كما يفعل العشّاق المخذولون، في قصص وأفلام الحب، دسّ برهان يديه في جيبي بنطلونه”. استخدام جبيلي للسخرية، مثل القصص نفسها، يكسب الكثير بالقليل. تسمح هذه السرديات السريعة المثيرة لجبيلي بخلق عالم تلو الآخر في البصرة من دون أن يكون ثقيلًا أو يبدو أنه يستغل الصعوبات الحقيقية للحياة هناك.

تستخدم شخصيات جبيلي، مثل القصص نفسها، الخيال لمقاومة وتوثيق مآسي المنطقة. في القصة الافتتاحية، “الطيران” رجل يدعى “مبارك” يلقي النكات وبشكل متواضع عن “طيرانه” في أثناء حرب الخليج عام 1991. لقد طارَ لأنّ قنبلة أمريكية ضربت العجلة العسكرية التي تقله وقذفته عالياً في الهواء. لكنه ينجو، وفيما بعد يعيش حياته، ويحصل على وظيفة حارس في مصنع للدواجن. ومرة أخرى تضرب المعمل قنبلة أمريكية  في عام 2003. وينجو مرة أخرى وسط الدماء وريش الدجاج. “كان يترنّح يميناً ويساراً، فارداً ذراعيه كجناحين”.  كيف ننظر إلى مبارك كقرّاء؟ هل هو رمز؟ هل هو ناجي؟ أم ضحية أخرى للنزعة العسكرية الأمريكية الجامحة؟  كلمات القصة الأخيرة تعطي خاتمة أبسط، لا معقولة ومع ذلك فهي واقعية: “كان يطير.. يطير”.

***

ولد ضياء جبيلي عام 1977 في البصرة بالعراق. وهو مؤلف ثماني روايات وثلاث مجموعات قصصية، حصلت مجموعة “لا طواحين هواء في البصرة “ على جائزة الملتقى للقصة القصيرة. 

***

المترجم تشيب روسيتي حاصل على درجة الدكتوراه  في الأدب العربي الحديث من جامعة بنسلفانيا. وتشمل ترجماته المنشورة رواية “بيروت ، بيروت” لصنع  الله إبراهيم. الرواية المصورة “مترو: قصة القاهرة” لمجدي الشافعي. ويوتوبيا أحمد خالد توفيق. ظهرت ترجماته أيضًا في Asymptote و The White Review و Banipal و Words Without Borders. عمل في مجال نشر الكتب لأكثر من عشرين عامًا، ويشغل حاليًا منصب مدير التحرير لمكتبة الأدب العربي في مطبعة جامعة

نيويورك.