الداخلُ في اللاهوت والحُب

ثقافة 2023/01/18
...

عادل الصويري 


لستُ الوحيدَ الذي تشغله معرفةُ اللهِ ، ولا تعنيني المقارنةُ بين علم اللاهوت عند القدّيس توما الإكويني، وعلمِ الكلامِ والإلهيات عند الشيخ جعفر السبحاني .

أكثرُ ما يشدُّني إليها - أعني معرفةَ اللهِ - هو القلبُ الثابتُ على الحبِّ رغم تغيّرِ الصورِ وتبدلِ أحوالِ الهمزاتِ كما في  هذا النص.

*

(إينانا): سيدةٌ تعشقُ بهمزةٍ مكسورة. أُحِبُّكِ فيها خريطةً تَتَّسِعُ لأطوارِ النساءِ عُرياً ومنطقاً.

نحنُ في الحقيقةِ نُغَيِّرُ صورَنا الشخصيةَ؛  للتناص مع هذه الأطوارِ. لا أعرفُ من أين تأتيني فكرةُ وجودِ الحُبِّ في الهمزة. فهمزةُ إينانا؛ يمكنُ لها أن تقفزَ على الكسرِ بفتحةِ أفروديت المُلَوّحةِ من الأفخاذِ الحبيسةِ بتطرّفِ التنّوراتِ الضيّقة.

الكسرةُ عشقٌ، والفتحةُ شبقٌ، وحينَ تُباغتُ الهمزتينِ كآبةٌ؛ تختبئانِ بضمَّةِ (أُمّ)

*

كالداخلِ في نقيضِهِ ، كنارٍ ممزوجةٍ بالماءِ امتثالاً لمزاج محي الدين بن عربي ، كالجدليات القابعة في الفراغ ، كقبلةٍ مرتبكةٍ يخوضُها عاشقانِ في مصعدٍ عتيق ، سرعان ما تنفتحُ بابُه بحربٍ جديدة، كحديثٍ غامضٍ في اللاهوتِ أُحِبُّكِ.

*

هل تعرفينَ أنَّ في اللاهوتِ حديقةً تُحَرِّضُ على الخدر؟ بهذا الخدرِ تحديداً أُحِبُّكِ بعيداً عن الوضوحِ المفرط. أُحِبُّكِ بطريقةٍ تُشبهُ كتابيَ الذي شَجَّرَ رفوفَ مكتبتِكِ بالأحاسيس، وأصابَهُ غرورُ قراءتِكِ له بأنوثةٍ تُنافسُ ضحكتَكِ على الشاعرية.

باختصارٍ لَيِّن: عيناكِ حديقةُ اللاهوتِ، وخصلاتُكِ السودُ سنابلُ ليلِ الملكوت. أمّا أفلاطون؛ فكانَ مريضاً نفسيّاً حين طردَنا فيكِ من جمهوريته التافهة، ولم يغيِّر صورتَهُ الشخصيةَ في فيسبُكِّهِ الباردِ

*

حَدَّثَني هُدْهُدُ اشتياقِكِ، عن نورسِ لوعتِكِ، عن قلمِ كُحلِكِ، عن شرشفِ سريرِكِ، عن مطلعِ قصيدتِكِ المتعثّرِ ، عن دوارِ الغسّالةِ عصرَ العطلةِ في المنفى أنّهُ قالَ لكِ : الحُبُّ لَعناتٌ تتكاثرُ كُلَّما اقتربتِ من منتصفِ الأربعين.

في ليلةِ القَدْرِ “يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حكيم”، وفيها تتوزعُ نرجساتي على تجاعيدِكِ التي صارت مؤخراً تُزاحِم غَمّازتَيْكِ على فَمي.

أعرفُ أنَّكِ مُتَوَجِّسَةٌ توجُّسَ الأسامي من شَجنِكِ المخفيّ. التوجُّسُ مطبّاتٌ يمكنُ اجتيازُها بوردتينِ وذكرى. العبورُ إلى الضفَّةِ الأخرى مِنَ قلقِنا القَدَريِّ خيرٌ من ألفِ صَمْتٍ ونسيان!

في ليلةِ القدرِ “تتنزَّلُ الملائكةُ”، ومعها تتنزّلينَ عَلَيَّ غزالةً قَدَرِيَّةً، سلامٌ هي حتى نومِها في مرعى قلبي.

خفيفةٌ أنتِ كالمعتقداتِ الصافية. حتى وإن ظهرتِ بملابسَ صارخةِ الموضة. لا أُخْفيكِ، قرأتُكِ أكثرَ من مرةٍ من فتحةِ قميصٍ تُظْهرُ شيئاً من بياضِكِ بِبُخْلٍ حقير. وَكُلَّما امتدَّ سُلَّمُ اشتهائي، وصعدَ لهاثي سُلَّمَةً سُلَّمَتينِ؛ تُنْزِلُني عيناكِ؛ بذريعةِ انشغالكِ بقراءةِ هذا النص من صفحةٍ فيسبوكيةٍ

 ثانية !

*

بِسم اللهِ أنثرُ الماءَ، وَمِنهُ الكلامُ و “كلُّ شيءٍ حيٍّ”. وأشهدُ أن لا إله إلا الله الذي يُرهِقُ دقائقَكِ الماشيةَ على خيوطِ الارتيابِ باردةً، قبلَ أن تستلقي على صدري بأنفاسٍ سريعةٍ ساخنةٍ هي من آياتِه في العناقِ تخشعُ لها المساءاتُ الماطرة.

وأشهدُ أنَّ الخصلاتِ أراجيحُ تُبالغُ بِغَنَجِ التقوّسِ على أطفالِ أصابعي المشاكسين. وأنَّ فَمَكِ جهنَّمُ مُتَخَفِّفَةٌ برعشاتٍ قَطَّرَها اللهُ في قلبِكِ ولا تُريدينَ أن تقتنعي بهذا.

أنا وأنتِ: مُتَدَيِّنٌ وَمُلحِدةٌ، يتعانقانِ في غموضِ الحياةِ؛ ويصيران قِشّاُ على سريرِ الغبار. أنا وأنتِ : اتِّساعٌ مثاليٌّ لضيقِ الكائناتِ بلا سببٍ مقنع. سعاداتٌ تنتظرُ نضوجَها في قِدْرِ المواسمِ الخائفةِ مِنَ الحربِ العالميةِ الثالثة.

تقاويمُ تُؤلِّفُ الأضدادَ أيّاماً، تقطفُ الأسابيعَ من شجرِ التوحّد. تُجرِّدُ الساعاتِ من عقارِبِها، كأنْ تستبدلُها بالخيولِ. هكذا يكون للوقتِ حضارةٌ وصهيل. ستضحكينَ - أعرفُ - لمجرّدِ أنّي تحدثتُ عن الخيول، ورُبّما تقولينَ شيئاً تحرصينَ ألاّ أسمعَهُ : متى يكفُّ حبيبي الغبيُّ عن التفكيرِ في دينِهِ وصهيلِ خيولِه؟ بينما أخوضُ معكِ جولةً أخرى تُدَوِّرُكِ خاتماً في خنصرِ كفّي اليمنى، وهذا يسعدُني كثيراً؛ لأنَّ التختُّمَ باليمينِ من علاماتِ المؤمنِ عندنا.