أفلام مستلهمة من الأدب

ثقافة 2023/01/18
...

 جودت جالي



في السنوات الأخيرة استفاد القرَّاء من الكتب الإلكترونيَّة فائدة عظمى، إذ جعلت من السهل عليهم الاطلاع على ملايين الكتب، في الأغلب مجاناً، عن طريق الإنترنت، وأسعدنا الإلكترون بأن جعلنا نقرأ قصصاً وروايات تعرَّفنا عليها سابقاً بصيغة أفلام هوليوودية، وفي الآونة الأخيرة صدرت طبعات إلكترونية للأعمال الكاملة لكُتاب أمثال لويس لامور ودوروثي جونسن ولاري مكمرتي.

إنَّ الأفلام التي استلهمت قصصاً نشرت أولا في مجلات أو كتب، من الكثرة بحيث لا يمكننا أن نذكرها جميعاً، لكن يمكننا ضرب أمثلة وإبراز خصائص معينة للقصة نصاً وللقصة فيلماً والتكييف للفكرة والتحوير والتوظيف بشكل عام.

توجد أعمال سينمائية وتلفزيونية التزمت بالنص القصصي وبتسلسل أحداثه وحوّلتها إلى مشاهد مرئية وعادة ما يكون هذا الالتزام لأنَّ العمل القصصي أصلاً عامر بالتفاصيل التي صاغها المؤلف ببراعة، لنسمِّها صورية أو سينمائية، بحيث لا يحتاج المخرج سوى إلى سيناريو مطابق للقصة.

نجد هذا مثلاً في تحويل رواية لاري مكمرتي (لونسم دوف) 1989 إلى فيلم تلفزيوني من أربعة أجزاء بالاسم نفسه 1985 والتي تبلغ صفحاتها نحو 850 صفحة.

العمل كله مثال على العمل الأدبي الناجح (جوائز من بينها بوليتزر) والعمل السينمائي الناجح (جوائز من بينها كولدن كلوب) والأداء التمثيلي الناجح في آن معاً بحيث أنَّ 26 مليون عائلة أميركية كانت لا تفوت مشاهدة أجزائه وأعاد سينما الويسترن إلى الواجهة بعد أفول، وتمت كتابة سلسلة أخرى من (لونسم دوف) وإنتاج سلسلة من الأفلام.

مع ذلك فهذا استثنائي، إذ إنَّ الشركات السينمائية ليس المهم عندها القيمة الأدبية للقصة بل أن تحصل على قصة تجذب أكبر عدد من المشاهدين فليس كل الكُتاب يمكنهم إنجاز عمل أدبي متكامل في الوقت الذي يمكن تحويله إلى عمل سينمائي ناجح كالعديد من أعمال الروائي هوارد فاست (سبارتاكوس وتوم بين وغيرهما) أو جون شتاينبك (عناقيد الغضب) وإرنست همنغواي (القتلة) أو لويس لامور (السريع والميت) 1987 مثل في الفيلم سام إليوت.

شيء مهم أن تكون ملامح الشخصيات واضحة يمكن تجسيدها في الاقتباس السينمائي ولذلك فإنَّ قصص كُتاب يولون أهمية لرسم الشخصية تكون مؤهلة إذا لعب الحظ دوره وانتبهوا إليها.

بعض المؤلفين تكون قصصهم بطبيعتها مبنية بحيث يمكن تحويلها إلى سيناريو بأقل جهد، وبعضهم أصلاً يضعون وصفاً للشخصيات منذ الصفحات الأولى حتى ولو لم يأت دورها، وبصورة قريبة مما يفعله كتاب المسرح عادة في تقديم الشخصيات ونجد هذا بأشكال مختلفة في أعمال مثل الرواية أعلاه وقصة دوروثي جونسن (شجرة الشنق) 1957، وهذا برأيي بادرة من المؤلف لإعطاء فكرة عن شخصيات القصة سينمائياً.

إنَّ دوروثي جونسن (1905- 1984) أميركية عملت في أعمال تحريرية مختلفة وصدر لها 16 كتاباً ونشرت قصصاً عدة بعضها تحولت إلى أفلام وقد أسعدني الحظ بقراءة قصص لها تحولت إلى أفلام شاهدتها مثل (رجل يدعى حصان) بطولة ريتشارد هاريس و(شجرة الشنق) 1959 بطولة كاري كوبر و(الرجل الذي أطلق النار على ليبرتي فالانس) بطولة جون وين وجيمس ستيوارت ولي مارفن و(الأخت المفقودة) وهذه تحولت إلى فيلم بعنوان (الباحثون) بطولة جون وين.

قصصها تتمتع بالمقبولية الاجتماعية ولذلك تم إدخال قصص منها إلى المناهج الدراسية.

يمكننا أيضاً ذكر قصة (القتلة) 1927 لأرنست همنغواي لخصوصية نتطرق لها بإيجاز حيث تم اقتباسها للسينما مرتين بحدود معرفتي.

المرة الأولى في 1946 من بطولة بيرت لانكستر والثانية في 1964من بطولة جون كاسافيتس ومثل دور أحد القاتلين المأجورين لي مارفن كما مثل رونالد ريغان (الرئيس الأميركي فيما بعد) دوراً رئيساً فيه.

في فيلم القتلة (أو القاتلان) يكون ثقل القصة الأساس في الدقائق الأولى من نسختي 1946 و1964 بحيث تكون فاتحة لتفاصيل لا توجد في القصة ومختلفة في الفيلمين، ولقد آتاني وقتها شعور بأنَّ أرنست همنغواي محظوظ بحيث يحصل على نقود مقابل عنوان قصة فقط.

لكنَّ المسألة ليست هذه بالضبط.

الشركات السينمائية تتعاقد مع كتاب سيناريو يجرون تعديلات وتغييرات ربما تكون جذرية آخذة بنظر الاعتبار ما يعجب الجمهور (الموضة السائدة) والشخصية السينمائية لممثلين بارزين حصلوا بها على الشهرة وإعجاب الجماهير فتكون القصة بتفاصيلها مجرد فكرة بتفاصيل مقترحة.

هكذا نجد في فيلم (الرجل الذي أطلق النار على ليبرتي فالانس) حتى بعض الأسماء متغيرة في الفيلم وشخصية “جون وين” أكثر اتزاناً وأقوى شخصية مما في القصة مع مشاهد ولقطات ليتناسب مع الشخصية السينمائية لجون وين، وفي الفيلم كما في القصة ولكن بتفاصيل مختلفة ينقذ ستيوارت، الذي يحمل شهادة محاماة، والذي كان يتجول في المنطقة على حصان ولم يكن قد جاء للتو مسافراً في عربة كما في الفيلم، وفي القصة عثر عليه جون وين في البرية ساقطاً على الأرض وقد بانت عليه آثار الضرب من قبل من عرفه لاحقاً بأنه ليبرتي فالانس، ويجلب له وين خيمة وفراشاً ويتركه قرب نهر إلى أن يلتحق به في المدينة، إلى غير ذلك من التغييرات التي لا يسعنا التفصيل فيها.

إذا قيّمنا القصة كعمل أدبي أراها نصاً ثيمته تناسب قالباً روائياً فالتفاصيل محتشدة في حيز ضيق (8 صفحات) يجعلها أحياناً مرتبكة وهي على وضعها هذا مجرد فكرة فيلم أكثر من كونها نصاً أدبياً.

لكن قصة (شجرة الشنق) كُتبت بنفس آخر، ثقافي وفكري إذا صحَّ التعبير، وساعد طولها (نحو 100 صفحة) على التفصيل والتأني في رسم الشخصيات وإعطائها وضوح الملامح وما تحتاجه في التعبير من مدى ونبرة صوتية، ولم يكن الفيلم أقل مستوى بل في بعض المشاهد، بحكم التجسيد الصوري، أكثر تألقاً، ساعد على ذلك مجموعة من الممثلين البارعين وإن تفاوتوا في الشهرة والخبرة، بدءاً من كاري كوبر إلى بين بيازا.