تكامل العرض المسرحي

ثقافة 2023/01/19
...

 أ. د. باسم الأعسم


تتأرجح عملية تكامل العرض المسرحي التقليدي، الذي يقدم في المسارح المغلقة - خاصة - بين كفتين هما: أولاً: الكفة الكمية أو العددية المحكومة بتوفر جميع أنساق خطاب العرض المسرحي، أي نص عرض المشاهدة كالديكور والإضاءة والموسيقى والأزياء والإكسسوارات، إلى جانب النسق الأبرز ألا وهو الممثل، وثانياً: الكفة النوعيّة، التي لا تشترط حشد الأنساق الفنيّة والجماليّة ضمن خطاب العرض المسرحي، لأنَّ الأهم كما أرى: هو طبيعة المقاربة الإخراجيَّة التجديديَّة، التي تغادر الفهم التقليدي أو التشخيصي للميزانسين الحركي، إذ إنَّ الأهم كما قلت: تحقيق أعلى قدر ممكن من الجمال الفني والتعبيري في الإنشاء البصري المشيد لبنية خطاب العرض المسرحي، الذي قد ينتجه أداء الممثل وحده، من دون مكونات أو مكملات فنيَّة، فيحدث صداه الايجابي المؤثر في ذائقة الجمهور، والمحقق للمسافة الجماليَّة من خلال الاستقبال والتلقي الجماليين. 

وعلى وفق هذا المنظور (الفلسفي التحليلي) لتكامليَّة العرض المسرحي أقول: إنَّ العنصر الجمالي يشكل الأساس المتين الذي تشاد عليه تكامليَّة العرض المسرحي وتألقها، ومن دون ذلك، لا يغدو للعرض أيما ضرورة تذكر، وإن غصت خشبة المسرح بملحقات التكامل الفني في العرض المسرحي فكم هي العروض التي يضيق بها صدر خشبة المسرح من فرط احتشاد الأنساق فيها من دون معالجة فنيَّة تستنطق مضمراتها الجماليَّة والتعبيريَّة، فتغدو فائضة عن حاجة العرض، وسيجتاح القبح فضاء العرض، فيغدو منفراً ويحجم عن رؤيته

الجمهور.

وفي المقابل، طالما تألقت بعض العروض الثنائيّة أو المونودراميّة وسط فضاء مقتصد الأنساق يحوم في أرجائه الممثل، ولا شيء سوى عدته التعبيريّة (الجسديّة والصوتيّة)، كما في عروض البانتوميم، فينبهر الجمهور بجمالية إشتغالاته الأدائيَّة، متكئاً على موهبته وحسن استعمال أدواته، وفرادة مقاربة المخرج المسرحي، مثلما كان الممثل (ثيسبس) تقدم عروضه الإغريقيَّة على عربته من دون أية ملحقات، أو لدى عروض مسرح الشارع ومسرح المقهى وسواهما.

ولتحقيق تكامليّة العرض المسرحي على الصعد الفنيّة والجماليّة والوجدانيّة، ينبغي مغادرة الفهم التقليدي الذي ساد ردحاً من الزمن ومؤداه: أن العرض المسرحي مثله كمثل دكان العطار، ينبغي أن يحتوي على كل شيء، أي سيادة لغة الكم على لغة النوع، من دون إحساس بالقدرة الهائلة لنسق التمثيل، ودور الممثل في اكتمال صورة العرض المسرحي، والذي بمقدوره التفرّد في أدائه، فيغدو كالنجم الساطع في سماء العرض، ومن دونه يفرغ كل شيء على خشبة المسرح من محتواه، ولن تنفع أية حيلة إخراجيّة، أو مؤثرات تكتيكيّة في تعويض العنصر الرئيس على حدِّ قول (ألكسي

بوبوف).

ومن البداهة أن نقول: إنَّ الأنساق البصريَّة (الحركيَّة والصوتيَّة) في ما لو استعملت، فإنَّها لدعم نسق الأداء التمثيلي، وهذا يعني، أن تكامليّة العرض المسرحي يتحكم بها الممثل، وعندما يخفق الممثل ينتهي العرض، وان كان لأعظم النصوص، كهاملت، وغاليلو، وماكبث.. الخ. 

وقد يتفرّد أحد أنساق العرض، عقب فشل الممثل، لكن العرض لا يتكامل من دون ممثل متكامل الشعور والعاطفة، والأداء، والموهبة.