صباح نوري المرزوك.. موسوعيَّاً

ثقافة 2023/01/19
...

 د. بشار عليوي  


يعد شيخ المفهرسين العراقيين أ.د صباح نوري المرزوك الذي رحل عن عالمنا يوم 17/ 1/ 2014، من أبرز البيبلوغرافيين في العراق والعالم العربي لما أنجزه من نتاجات في هذا المضمار، فللبيبلوغرافيا أهمية كبرى لا تقل عن أهمية النتاج الإبداعي نفسه ومن خلال عشرات المؤلفات استطاع أن يؤرشف مجمل الشعر العربي القديم والحديث.


 فضلاً عن إنجازه عدداً من المعاجم والموسوعات المُتخصصة حينما حرصَ على سَبر أغوار هذا العمل البيبلوغرافي ومجال الفهرسة، بدقة وحرص على توثيق إبداعات الآخرين في شتى صنوف الثقافة والمعرفة الإنسانيّة عبرَ سلسلة مؤلفاتهِ القيّمة التي سنتناولها تِباعاً، فهوَ هو أديب عراقي وعربي، مَثَلَ الذاكرة العراقيّة الحيَّة التي وثّقت لأغلب الرموز الإبداعيَّة ورصدت إنجازاتهم وسلطت الضوء عليها بأمانة علميّة وثقافيّة دقيقة صادقة إذ لم يضع في عمله خطوطاً حمراء على أحد بل وقف على مسافة واحدة من الجميع مُسخِراً سنّيّ عمره للبحث عن العطاء الثقافي بكلِّ جدية وبروح رياضيّة تُكلّلها المحبَّة لجميع المثقفين على اختلاف نِحَلِهم ومشاربهم فهوَ ظاهرة ثقافيّة مائزة.

هو صباح بن نوري بن مرزوك بن حسين بن علي النعيري الطائي، من مواليد مدينة الحِلّة (مركز محافظة بابل العراقية) منطقة جبران عام 1951، درس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدارس مدينتهِ الحِلّة، حاصل على البكالوريوس في اللغة العربيّة من كلية الآداب بالجامعة المستنصرية (1968 ــ 1972)، ثمَّ شدَّ الرحال إلى تركيا ليحصل في كلية اللغة والتاريخ والجغرافية/ جامعة أنقرة على شهادة الماجستير (1983 ــ 1985)، وشهادة الدكتوراه (1985 ــ 1989) ويعود إلى بلده ليمارس دوره التربوي والثقافي، وقد عُرِفَ عنهُ إجادتهِ اللغة التُركية، فضلا عن العربية، وتوزع عمله التربوي في التدريس، وفي نشاطات تربوية أخرى، ففي مجال التدريس عمل في مدارس كثيرة في الحِلّة وبغداد وكركوك وفي أنقرة وليبيا وعمل في جامعة بابل بوصفهِ واحداً من مؤسسيها، أما نشاطاته التربوية الأخرى. فقد أسهم في كثير من المؤتمرات العلميّة، وأشرف على العديد من أطارح الدكتوراه ورسائل الماجستير، وشارك بلجان مناقشة العشرات منها أما رئيسا للجنة المناقشة أو عضوا فيها، وقوّم أخرى تقويما لغويَّاً، وأجاز كثيراً من البحوث والدراسات لنشرها في مجلات أكاديميّة محكمة، وتخرج على يديه مئات الطلاب الذين صار لهم الشأن المميز في الساحة الأدبيّة، كما توزعت نشاطات المرزوك الثقافيّة في اتجاهات عدة، فضلاً عن حضوره الميداني الفاعل في المشهد الثقافي، من خلال المشاركة في نشاطات المنابر الثقافيّة داخل الحِلّة الفيحاء، وخارجها، نشر موضوعاته الأدبيّة في (31) مجلة، و (13) جريدة، وكتب (21) مقدمة لإصدارات حليّة، وغير حليّة، وشارك بكتاباته وتراجمه في كتب لها شأن في الساحة الأدبيّة، وعلى الأخص (معجم البايطين لشعراء العربيّة في القرنين التاسع عشر والعشرين)، إذ له فيه (292) ترجمة لشعراء من مختلف مناطق العراق. يُعدُّ المرزوك من الأوائل الذين شاركوا في بناء الحركة الأدبيّة والنقديّة في العراق، وتميزَ بغزارة إنتاجهِ الأدبي وتنوعه عبرَ التأليف الموسوعي إذ عمِدَ الى ترجمة حياة الأدباء وجمع الأشعار والدواوين في كتب مطبوعة حائزاً على ثقافة موسوعيّة مكّنتهُ من ريادة الجهود البيبلوغرافية عراقيَّاً وعربيَّاً بفضل علمهِ ودرايتهِ بالكُتب والمراجع التراثيَّة والحديثة فأنتج عشرات المؤلفات البيبلوغرافية والأدبية والنقدية كان لها الأثر الكبير في الساحة الأدبية العراقية والعربية إذ أفادَ منها كثير من الباحثين في أعمالهم ورفدتْ مؤلفاتهِ المكتبة العربية بهذهِ الجهود الأدبيّة المُتفرّدة فالعمل البيبلوغرافي الضخم الذي قدمهُ المرزوك من أهم أعماله عن شخصيات أدبيّة وثقافيّة كان لها الحضور الواسع في الثقافة العربيّة منها (جميل بثينة/ ابن زيدون/ خليل مطران/ بدر شاكر السياب/ نازك الملائكة... وغيرهم) وأعماله تلك تُقدم صورة واضحة عن خدماتهِ الجليلة التي قدمها للمكتبة العربية. بدأ نتاجهُ التأليفي من عام 1972م وبأكثر من 50 عنوانا، فضلاً عن 12 كتابا مخطوطا، وقد رحل عن عالمنا مساء يوم 17/ 1/ 2014 اثر حادث سير مؤسف وهي في آخر رحلة علميَّة له.  

وبمناسبة الذكرى الثامنة لرحيله، أصدرَ حديثاً الاتحاد العام للأُدباء والكُتاب في العراق الكتاب الموسوم (صباح نوري المرزوك موسوعياً) لنجله أ.د.عامر صباح المرزوك، وقد جاءت فكرة إعداد هذا الكتاب الذي يقع في 168 صفحة من الحجم الوزيري، تزامنًا مع مرور تسعة أعوام على رحيل (المرزوك)، إذ تمَّ تقسيمه إلى فصلين، تضمن الفصل الأول حياة (المرزوك) وسيرته التربويّة والعلميّة الثقافيّة، مرورًا بأهمِّ المحطات التي مرَّ بها، وفقًا للآتي: (ولادته، اسمه ونسبه، أسرته، دراسته الأولية والجامعية والعليا، الوظائف والمناصب التي تقلدها، المواد التي قام بتدريسها، نشاطات تربوية وعلمية وثقافية، اللغات التي يجيدها، مؤلفاته، وفاته). 

في حين تناول الفصل الثاني من الكتاب دراسات وشهادات قيلت في حقه، وتم ترتيبها ترتيبًا هجائيًا بحسب العنوان، وذكر اسم كاتبها ومن هؤلاء الكُتاب (د.حسن الحكيم، زهير الجبوري، د.سامي علي، د.عبد الرضا عوض، د. سعد الحداد، د.بشار عليوي، د.عباس الجراخ، عبد الأمير خليل مراد.. وغيرهم)، وقد أعطى هذا الفصل صورة واضحة ومشرقة في تواصل أصدقاء (المرزوك) معه، ومدى حبّهم لشخصه الكريم، لا سيما وهو حبّ متبادل من كلا الطرفين، لأنَّ (المرزوك) كان يقدس الصداقة والتواصل، ولديه دائرة علاقات واسعة داخل وخارج العراق، كما ذكر المؤلف جميع الكتب التي صدرت بحق

(المرزوك).