المسابقات والجوائز الأدبيَّة والفنيَّة

ثقافة 2023/01/21
...

 حيدر علي الأسدي


حظيت الثقافة بمسارات تنظيميّة عدة لتسويق الآداب والفنون والعمل على تشجيع الطاقات الإبداعيّة في شتى المجالات، ومن هذه المسارات هي المسابقات الأدبيّة والجوائز، رغم تباين واختلاف مستويات تلك المسابقات وتعدد طبيعتها الجغرافية والفكرية سواء كان الحديث عن جائزة نوبل للآداب أو (بولتيزر) أو الأوسكار أو (بوكر العالمية)، أو حتى تلك الجوائز والمسابقات العربية الخاصة بالأجناس الأدبية المختلفة (الجائزة العالمية للرواية العربية: النسخة العربية من جائزة بوكر)، والتي يحصل كل من المرشّحين الستّة النهائيين على 10,000 دولار، أمّا الفائز بالمرتبة الأولى فيفوز بـ 50,000 دولار إضافية، وكذلك (كتارا) و (أمير الشعراء) و (جائزة الشارقة للإبداع) و (جائزة البابطين)، وغيرها من المسابقات والجوائز التي تمنح هنا وهناك، ويسعى خلالها الأديب أو الفنان إلى الظفر بأحد تصنيفاتها سواء كان الهدف من مشاركته أو ترشحه الحصول على هذه الجائزة هو (قيمتها الماديَّة) بطبيعة ظروف المعيشة للمثقف العربي والأديب، أو حتى من أجل الوجاهة والشهرة، فمن يحقق تلك الجوائز وينال المراتب الأولى في المسابقات ترتفع حجم مبيعات كتبه في السوق، وهذا ما حصل مثلاً عام 2018 مع الكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك بعد أن نالت نوبل للآداب، وكذا الأمر تكرر مع الحاصلة على نوبل للآداب 2022 الفرنسية آني إرنو، وهذا ما حصل مع العديد من الكتاب المغمورين ممن كان لا يعرفهم الجمهور، ولكن ما إن نالوا جائزة نوبل للآداب حتى ارتفعت مبيعات كتبهم ودواوينهم. ولا ننسى أن (جان جاك روسو) كان قد أُكتشف حجم إبداعه وفكره من خلال مسابقة (المجمع العلمي في ديجون) وغيره من الكتاب الذين فتحت لهم الآفاق واسعة بعد نيلهم الجوائز الكبرى أمثال (نجيب محفوظ ونيله نوبل للآداب عام 1988 ويعدّ الأديب الوحيد الحائز عليها من كتاب اللغة العربية).. وهذا يؤكد حجم أهمية تلك المسابقات والجوائز رغم اننا لا نثق بدرجة مطلقة بأنصاف اللجان القائمة على تلك الجوائز والمسابقات فبعضها الكثير جاء بأبعاد ايديولوجية أو سياسية واضحة، فكم من أديب نال تلك الجوائز لان كتاباته تشتم (ايديولوجية ما) وتسوق لايديولوجية أخرى ضمن منظومة اللجان الحاكمة على تلك المسابقات، بصراحة هذا الأمر موجود وبخاصة في ما يتعلق بجائزة نوبل، ناهيك عن أن بعض تلك المسابقات وبخاصة الشعرية منها (أمير الشعراء) أو ( شاعر المليون) تعد ظواهر تلفزيونية لا تكمن قيمها بجودة ما يطرح بالمستوى الشعري، لأنّها غالباً ما تكون بأبعاد (انتقائيّة) أو كيفيّة لا تتعلق بالاختيار الحسن لعينات المشاركة من الشعراء والأدباء في مختلف البلدان، فغالباً ما يسهم بها من (يرغب أو من يتمكن من الوصول). وهذا ربما لا يمثل بالمرة حجم الشعرية بهذا البلد أو ذاك، فيحضر لتلك المسابقة ويشارك من هو أقل شعرية من غيره. وهكذا ترتكز هذه المسابقات على صيغها الاستعراضية التلفزيونية وكأنها برنامج من ضمن متطلبات الدورة البرامجية بهذه القناة أو تلك، ولا يخفى على المتابع للمفصل الثقافي أن العديد ممن يشارك بتلك المسابقات يبحث عن العائد المادي الكبير الذي تحققه له جائزة الفوز بالمراتب الأولى، رغم ايمان الكثير منهم أن هكذا برامج لا تسهم بصناعة شاعر أو صقل موهبته بتاتاً، بل إن العديد من الشعراء كانوا يحرصون على المشاركة بهكذا مسابقات من أجل تدويل أسماؤهم ضمن منظومة الثقافة العربية والجمهور العربي لضمان الانتشار الأوسع بعيداً عن محلية بلدانهم. وربما يشعر العديد من الأدباء والشعراء بانحسار مسارات انتشارهم ضمن الرقعة الجغرافية لبلدانهم فيبحثون عن نوافذ خارج أسوار الوطن للانتشار في ظل الميديا الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ومئات الفضائيات التي تتناقل هكذا أحداث، ولكن لو تحدثنا عن المسابقة الناشئة التي ترتكز على الابتكار والإبداع (والاكتشاف) فهي فرصة كبيرة للمبدعين الشباب وبخاصة الشعراء وممكن من خلالها اكتشاف الطاقات الشعريّة والإبداعيَّة للشباب والأخذ بيدهم نحو التقدم وصقل الموهبة، وهذه كانت تحدث خلال سنوات ماضية ولا يسمح للرواد المشاركة بتلك المسابقات الاكتشافية بل تُعنى (بالشباب) والمغمورين من الشعراء والأدباء لإتاحة الفرصة لهم للكشف عن مواهبهم الشعرية. ولكن ممكن أن يطرح تساؤل خطير وحساس: هل قيمة النتاج الأدبي المشارك بالمسابقة هو مدار لتقييم الشاعر أو الأديب؟ ماذا لو كان (مكتوب له) وليس من صناعته الإبداعية؟! هنا تكمن أهمية (السرقات والتزوير وانتحال النصوص والسطو عليها أو استخدام الأسماء المزيفة بخاصة النسائيّة منها) وهذه الظواهر حاصلة ومنها العديد من الأمثلة في وطننا العربي، صح أن المسابقات تسهم بتقديم أسماء الأدباء ونشر نتاجاتهم، وتلاقح الأفكار بين مختلف الجنسيات، وتركيز أنظار العالم إلى (الثقافة) وأهميتها، والتشجيع على القراءة والاعتزاز باللغة والثقافة بوصفهما من أسس تنمية شخصية الفرد، إلا أنها غالباً ما تثير حفيظة من يُبعد أو يخسر بتلك المسابقة ليقوم بالتشكيك بقرارات اللجان المختصة أو بأدلجة تلك المسابقة، وهو ما حصل مع العديد من الأدباء والكتاب سواء في العالم أو وطننا العربي. ولا ننكر أن هناك مسابقات شعرية عربية أسهمت بأن يسطع نجم شعراء عرب شباب ومنهم (المصري هشام الجخ) والفلسطيني (تميم البرغوثي) وغيرهم العديد. يتبقى أن نقول إن الجائزة والمرتبة الأولى ليست ميزاناً ومعياراً لجودة نصوص الأدباء وليست الميزان الأوحد لقياس حجم إبداعه وفكره، بل لا بدَّ من الديمومة والتجربة والقراءة المتأنية لتجربتهم بما لا يقبل الشك واسهامهم الفاعل في المشهد الثقافي لبلدانهم وحجم تأثير وانتشار نصوصهم، وقيمتها بمدار النقد العلمي الموضوعي، وهو ما يجعل الشاعر والأديب راسخاً في المشهد الثقافي وتستحق تجربته القراءة والاشادة.