الفنان وليد شيت .. خطاب جمالي تتعالى فيه حداثة التجريب

ثقافة 2023/01/21
...

 خضير الزيدي 


منذ أواخر ستينيات القرن المنصرم حتى اليوم ووليد شيت يقدم فناً مميزاً جراء التجريب أولاً والطرح الجمالي ثانياً. وأعتقد أن أطروحاته استحوذت على الغالب من جيله بالاهتمام والالتفات إلى اسمه بعد أن قدم لنا أعمالاً متنوعة تتعلق في الفن الواقعي في بداية مشواره (وأبدى في ذلك مهارة كبيرة) فضلاً عن رسوماته بالتعبيرية أو ما يلفت إليه النظر من خلال أعمال تحمل طابعاً مغايراً من حيث الصياغات والمواد الخام التي استحدثها في عمله الفني. وأهم ما يحسب له من حيث الاعتقاد أنّه فنان تجريبي بالدرجة الأولى وله الريادة في طرق وتصورات ذهنيّة فرضها في عمله. وأجد أن سمة التجريب تلازمه لأنّها رهان فعل تأكدت فيه الخبرة والتأمل على نحو أضاف لشيت ما يمثله فكرياً مع عوالم الفن الحديث. إنه بحق يقدم الفكرة ويوسع من رقعة الفن وفرصه في التأمل والشد الجمالي، وكل ما ينجزه لنا سيكون مزيداً من نتاج (فكري أولا وجمالي ثانياً) فهو لا يضع طلاسم في العمل ولا رتابة في الشكل ولم يفرغ اللوحة من محتواها وبعدها الموضوعي، كأنّه بهذا ينشدّ لفلسفة خالصة سعى إليها في الغالب مما قدمه منذ أن تعلم الفن في طفولته حتى رؤيته لمعلمه فائق حسن فالاثنان (تمثيل الطفولة بتأمل وتدريب العين والفرشاة والتكوين والتلوين منهجياً) وفرا له أن يكون معلماً متفوقاً، ولا غرابة إذا كتبت هنا (بأنّني أراه أكثر أهمية من فائق في الكثير مما يتعلق بالفن ومكونات العمل واستعراض الدهشة لدى متلقي أعماله) فوليد شيت فنان ماهر لم تأخذ أعماله ما يكفي من قراءة في عالم النقد الفني وضاعفت عزلته من تقليص ذلك الاهتمام، ولكن الحقيقة أنه صاحب موقف من فهم الفن وله رغبة جامحة في إعلاء قيمته الحقيقيَّة أمام سيل من الكتل الكثيرة من الرثاثة التي نراها عبر عشرات الأعمال العراقيَّة التي تعرض في العراق وخارجه. هذا الفنان مسكون بهاجس التجريب وهاجس احترام معلمه الأول فائق حسن وأية نظرة لما قدمه منذ بداياته الأولى حتى اليوم، لا بدَّ من أن نمر على الاثنين كرابط مشترك في الإبداع وكيفيَّة اكتساب المعرفة من المعلم، وهذا ما لمسته من وليد شيت الإنسان والفنان من خلال أكثر من حوار فني وفكري معه جعلني أفهم تفكيره وأكتسب معلومات كثيرة في ما يخص مراحل فنه.

في واقعياته إبان مرحلة الستينيات والسبعينات تميز بوضوح الأسلوب ومهارته من حيث التلوين والإنشاء وابتكر له طريقاً أستطيع القول إنّه لو رسم للمتلقي (الخيل) التي رسمها فائق حسن فلن نميز بين الاثنين وهي ميزة لم نجدها عند طلاب فائق المتبقين، وهذا باعتقادي نتاج محبة صادقة أبداها الاثنان لبعضهما، ولأنَّ نتيجة أيَّة مهارة في يوم ما ستكون آتية من وعي وفكر وامتثال حقيقي للفن مع احترام لمشروعه والتمسك به، ولكنه سرعان ما خرج من مدرسة فائق وقدم لنا أعمالاً مختلفة كانت في النحت أساساً من التجريب الذي لم يعمل عليه أقرانه الآخرون فاندهشنا من تلك الأعمال، ليس لأنها جديدة على ذائقتنا، بل كونها نتاج مخيلة تدربت على معرفة كيف يكون الفن وكيف ينتسب إليه، وهذا ما يجعلنا نرى منجزاً فنياً منتظماً أمامنا سواء عبر بنائيَّة من حيث التقنيات أو تعبيرية خالصة من حيث الرؤية. ولا بدَّ من وجود توازن بينهما، ولعل الملفت في الغالب من أعماله الإصرار على أمرين مهمين قيمة التكنيك وإعلاء شأنه داخل نظام العمل الفني، وتحقيق واكتساب فكرة التوازن بين شكل يحمل قيمة بصريّة ومضمونا تتعالى فيه الفكرة، وكل ذلك إنما ينفذ بدقة فلم يَرَ المتلقي في لوحاته ترهُّلاً ولا تشعُّباً، هناك المزيد من إجراءات بصريَّة تفيض فيها هندسة الشكل وضرورة اعتماد التكنيك فهو يتمرّد على الفن من أجل توثيق رسالته الجماليّة، ويستعرض لنا طاقته في الأسلوب المتفرّد متجاوزاً لكل مراحل الدروس الأكاديميَّة التي تنتسب للمعنى المدرسي. إذن نحن أمام مجدد في الخطاب البصري له مقولته التي ترجح الفن والوعي معا.